أخبار عاجلة

محمد يوسف العزيزي يكتب… “خطاب الأحزاب الخشبي..!!”

عمار يا مصر…
تتغير الأحوال وتتبدل، ويشب عن الطوق الصغير ويصير كبيرا، وتبرز كيانات ويصعد نجمها إلي السماء، ويعيد الفاهم والواعي حساباته، ويدرك السياسي ظروف الواقع ويستشرف متغيرات المستقبل إلا خطاب الأحزاب السياسي..لا يتغير ولا يتبدل، ولا يتعرف علي متغيرات الواقع.. هو كما هو.. كلمات مكررة.. جامدة.. كليشهات محفوظة تتردد علي ألسنة قائليها بلا مراجعة أو خجل !
كنت في حلقة تليفزيونية علي الفضائية المصرية موضوعها الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الثانية ( تقييم ورؤية مستقبلية للبرلمان الجديد ) وكان يشاركني الحوار قيادتان بارزتان في حزبي الوفد والتجمع ، ورغم أن أيديولوجية الوفد والتجمع مختلفان إلا أن خطابهما كان واحدا لتبرير تراجع الوفد في المرحلة الأولي وفشله في حصد أصوات الناخبين لمرشحيه حيث حصل علي عدد مقاعد لا تتناسب مع كونه حزب عريق وقديم وصاحب برنامج ، وكذلك تبرير فشل التجمع في حصد أصوات لمرشح واحد في المرحلة الأولي ! 
ساق الضيفان نفس المبررات التي نسمعها من زمن بعيد قبل التغيير وقبل 30 يونيو.. الدولة لا تساعد علي تقوية الأحزاب.. قوانين الانتخاب لا تشجع الأحزاب .. منع العمل الحزبي في المجتمعات النظامية كالجامعات والنقابات .. التضييق علينا في عمل المؤتمرات الشعبية.. محاصرتنا في مقراتنا .. استهداف الإعلام لنا واتخاذ منهج عدائي ضدنا .. برامج التوك شو تقود حملة ترفع شعار فشل الأحزاب .. انتشار المال السياسي وشراء الأصوات، والجديد هو شراء المرشحين واختطافهم من الأحزاب.. مساندة الدولة ودعمها لبعض التيارات والقوائم .. رجال المال والأعمال يحشدون أنصارهم من مصانعهم وشركاتهم .. الخ ..الخ 
في الحوار لم أسمع من أي منهما مجرد تبرير يخضع لمعايير عقلية ، وعندما قلت أن هذا الخطاب العدمي الذي تخاطبون به الناس هو من يجعل الناخبون ينفضون من حولكم ، وهذه المعادلة الصفرية التي تضعونها أما الناخب لن تشجعه علي أن يأتي بكم إلي البرلمان القادم .. كان ردهما نفس الخطاب ونفس الكلام وأنني بصفتي الصحفية أتبني نفس الخطاب الممنهج ضدهم ، وأنني ضمن الحملة العدائية ضدهم ! 
قلت لهما أن الدولة في هذه الانتخابات لم تتدخل أو تمارس أي نوع من التزوير الذي كان يحدث قبل ذلك ، وأن هذه الممارسات انتهت إلي غير رجعة وافقاني علي ذلك لكنهما أكدا أن التزوير في الإرادة وشراء الأصوات يتم بمباركة من النظام لأنه لا يريد معارضة حقيقية في الحكم .. يعودان من جديد للخطاب الخشبي وتعليق فشل الوصول للناس علي شماعة الدولة، والغريب أنهم يطلبون من هذه الدولة وهذا النظام بعد اتهامه بذلك مساعدتهم وتقويتهم ! 
قلت لهما أن مشكلتنا أن لدينا حياة حزبية بلا أحزاب حقيقية ، ولدينا أحزاب بلا حضور حقيقي في الشارع ، ولدينا أعضاء في الأحزاب بلا تأثير علي المواطنين ، ولدينا برامج متشابهة في كل الأحزاب بلا خطوط فاصلة أو رؤية واقعية تقبل التطبيق ، والأهم من كل هذا ليس لدينا حزبا واحدا يسعي للوصول إلي السلطة من كل الأحزاب التي تملأ الدنيا ضجيجا بلا طحن وتسعي فقط لحجز مقعد وهمي باسم المعارضة ، وتستريح عندما تجلس لتلقي بالحجارة علي كل شيء من خندق المعارضة ! 
قلت لهما أن الأحزاب لم تستطع حتى اغتنام الفرصة بعد يناير وبعد أن تحولت الحرية إلي فوضي عارمة في البلاد وأصبح كل شيء بلا سقف ، ولم يمنع أحد أحدا من عمل مؤتمرات وندوات وقول ما قال مالك في الخمر ، ومع ذلك كان الرد أيضا نفس العبارات والكليشهات القديمة التي لا تخلو من رغبة في الرضا بحالة الفشل والبحث عن شماعات .
الشاهد أن الحياة الحزبية والسياسية في مصر بعافية ، وعلينا أن نعترف أن العيب فيهم وليس في المناخ الذي يتحدثون عن فساده فهم يطالبون بالديمقراطية وتداول السلطة ويمتنعون عن فعل ذلك في أحزابهم والدليل الخناقات والانشقاقات المستمرة في هيئاتهم العليا وتصدع جمعياتهم العمومية بانتقال الأعضاء من حزب لآخر طول الوقت حسب المصلحة الذاتية .. ويطالبون بحرية الرأي والتعبير ولا يقبلون رأيا مخالف ويتمترسون وراء خطابهم الخشبي طوال الوقت .. رغم تحالفهم مع خصومهم للفوز بمقاعد البرلمان بالدخول في قوائم يعترضون عليها !
نعيب زماننا والعيب فينا .. وعندما تتصالح المصالح لا تحدثونا عن المبادئ يرحمكم الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *