سواء اتفقنا او اختلفنا تتعرض المنطقة العربية لمخطط تم رسمه بدهاء منذ سنوات و شاركت في صنعه أطراف إقليمية ودولية تستهدف به إعادة رسم خريطة الشرق الاوسط بشكل يعيد إلى الأذهان اتفاقية ( سايكس بيكو ) التي قسمت العالم العربي بين قوى الاستعمار التقليدي في اوائل القرن العشرين مع الفارق أن التقسيم الجديد يستهدف تفتيت دول قائمة ومستقلة وتحويلها الى دويلات بغرض إضعافها ومن أجل تكريس سياسة انعزالية تحول الأمة الى جزر منعزلة وهو المطلوب من هذا المخطط .
وما نشهده في العديد من الدول العربية شمالا في سوريا والعراق وجنوبا في اليمن والسودان وغربا في ليبيا أكبر دليل على أن المخطط قائم ومستمر ومن الملاحظ أنه بعد توقيع إتفاق الغرب النووي مع ايران برزت أمور تعكس دورا اقليميا ( مرسوما ) لإيران في المنطقة مثيرا للجدل غير ان هذا الدور يصب في صالح المخطط المذكور !!.
والجديد ان هذا الدور ياتي من منطلق طائفي وكأن الخلاف السني الشيعي جاء وليد اللحظة رغم انه موجود منذ مئات السنين إلا أن السؤال الذي يطفو على السطح لماذا يريد البعض تفجير وتعميق هذا الخلاف الفقهي اليوم ؟؟ اجابة السؤال واضحة وبعيدة كل البعد عن الجدل الفكري المتعلق بالتقاطع الطائفي اذا جاز التعبير لنصل الى صورة سياسية وليست طائفية من وجهة نظري تستهدف تنفيذ ( سايكس بيكو ) جديدة عن طريق استغلال القرارات المرتبطة بالشؤون الداخلية – وهي امر طبيعي- في كل الدول لإفتعال مواقف وإثارة صراعات سياسية تبرر التدخل في هذه الشؤون الداخلية .
ويمكن القول إن ما قامت به المملكة العربية السعودية مؤخرا من تنفيذ أحكام القضاء في عدد من الارهابيين كان اجراءا وطنيا متسقا مع قواعد العدل والقانون فيها ومن أجل الحفاظ على استقرار الدولة وحماية أمن البلاد وهذا في تقديري حق أصيل لأي نظام سياسي مستقل القرار ومن هنا ما حدث من اعمال عدائية من قبل ايران ضد السعودية اعتراضا على تنفيذ حكم محكمة باعدام مواطن ( سعودي ) شيعي تمت ادانته وصورت طهران الواقعة على ان ماتم جاء في حقها وحق مواطنيها وضد الشيعة رغم انه شأن داخلي سعودي .
ومن الواضح ان طهران حاولت ان توظف الحدث سياسيا رغم ان المملكة العربية السعودية وهي حاضنة كل المسلمين في العالم وما شاهدته بعيني رأسي في الاراضي المقدسة ليس هناك اي تفرقة بين الطوائف الدينية الجميع مسلمون لهم مالهم وعليهم ما عليهم في اطار الالتزام بالنظام والقانون نقول لم تتدخل يوما في الشأن الايراني .
ويمكن تفسير السلوك الايراني الاقليمي الذي يتسم بالعداء للعرب عامة ولدول الخليج العربية خاصة انه قد تبلور اكثر بعد دعوة الرياض الى انشاء تحالف اسلامي ضد الارهاب و كان بحكم المنطق ان تكون الدولة الايرانية عضوا رئيسيا فيه ولكنها اكتشفت ان مثل هذه التحالفات يمكن ان تكشف حقيقة الدور الايراني في المنطقة وتعري مواقف اطراف تحسب على الشرق الاوسط ومنطقة الخليج ومنها النظام الايراني الذي ارتضى لنفسه ان يصبح آداة لزعزعة الإستقرار بدول العالم العربي وهنا يبرز سؤال ما هو مبرر ايران للقيام بهذا الدور ؟
ليس من صالح الدولة الايرانية تعاظم ونمو اي قوى اقليمية بالشرق الاوسط متقاطعة سياسيا معها لأن طهران منذ البداية رفضت التعاون مع الدول العربية من موقف الندية وصبغت الخلاف العقائدي بصبغة سياسية سواء في العراق او سوريا او لبنان او اليمن ومن ثم تفجر الموقف في هذه الدول قد حولها الى بؤر توتر مزمنه وترتبط استمراريتها بمصالح الدولة الايرانية الاقليمية .
ولهذا بعد الاتفاق النووي مع الغرب انكشف حجم التنسيق الايراني مع اطراف دولية لضرب العالم العربي في مقتل باعتبار ان هناك دولا عربية مثل السعودية ومصر والمغرب والامارات والكويت تتميز بالاستقرار وترى ايران في هذه الدول انها انداد لها والتنسيق بينها يمثل خطورة قد تعوق اطماعها خاصة في منطقة الخليج لاسيما بعد فشل التدخل الايراني في اليمن الدولة الاقرب جغرافيا للملكة العربية السعودية من جهة الجنوب الذي تمثل في الوقوف ظهيرة لجماعة الحوثيين .
وكانت مصر من اكثر الدول العربية التي تعاملت مع ايران برؤية كاشفة لانه عبر مراحل تاريخ مصر المختلفة لم تكن النعرة الطائفية من مقومات طابعها القومي وبالتالي فشلت كل محاولات ايران للتاثير على وسطية الموقف المصري وفي السنوات الاخيرة بذلت محاولات لخلق ما يمكن تسميته الصراع الطائفي بين المذهبين السني والشيعي رغم ان مصر سنية المذهب وتعشق في الوقت نفسه أل البيت وما شيعة مصر سوى افراد من حقهم الاعتقاد في اطار النظام والقانون .
وسال اللعاب الايراني خلال حكم الاخوان لمصر ( 2012- 2013 ) للتسلل الى المنطقة عبر البوابة المصرية لكن ثورة ال 30 من يونية احبطت المخطط وفوتت الفرصة على المراهنين بسقوط الدولة المصرية ومن بينهم طهران وفي الوقت نفسه ساء ايران اي تنسيق مصري سعودي لاستعادة الزخم العربي في مواجهة الاطماع الدولية والاقليمية ولهذا لجات السلطة في ايران الى لعب دور يعتمد على اثارة المشاكل في المنطقة العربية التي يبدو ان ظاهرها طائفيا ولكن باطنها سياسيا بالدرجة الاولى !!