عندما يكون حل مشكلة السياحة هو إطلاق هاشتاج يقول ( تعالوا زوروا مصر .. أو مصر جميلة .. أو مصر آمنه ) دون أن نأخذ بالأسباب الموضوعية لحل الأزمة ، وعندما يكون الحل في استعادة الأخلاق الحميدة وقيم المجتمع التي تراجعت وانهارت بإطلاق هاشتاج ( أخلاقنا ) لحملة عودة الأخلاق ، وعندما نبحث عن حل لمشكلة النظافة وتراكم القمامة نطلق هاشتاج .. ( مصر نظيفة ! ) وغيره من الهاشتاجات التي تحولت إلي موضة حتى أصبحت حياتنا تدار بالهاشتاج !
عندما لا نفعل غير ذلك فلا يجب أن نستغرب مما أقدم عليه عبد الرحيم راضي طالب السنة الرابعة بكلية الصيدلة جامعة الأزهر عندما ارتدي الزى الأزهري والعمامة وأعلن عن فوزه بالمركز الأول في تلاوة القرآن بماليزيا ، وقام أهالي قريته بعمل استقبال تاريخي له !
ولا نندهش عندما يستضيفه تامر أمين علي شبكة الحياة الفضائية ويقدمه كنموذج للشباب النابغ والنابه ويتمني لو أن أحد أبناءه صار مثل عبد الرحيم .. كل ذلك وعبد الرحيم فخور وواثق من نفسه ويزجي نصائحه للشباب أمثاله .. ولا يقرأ القرآن علي الهواء لأنه مرهق وتعبان !
ولا نصاب بصدمة عندما قرر الأزهر تكريمه تقديرًا لحفظه كتاب الله -عز وجل- وتمثيله المشرف لمصر في هذا المحفل الدولي، في إطار حرص المشيخة على رعاية وتشجيع أبنائها المتفوقين في كل المجالات لولا انشغال وكيل الأزهر في تشييع جنازة محمد مختار المهدي رئيس الجمعية الشرعية فتم إلغاء الحفل .
ولا نقلق عندما التقى السيد الشريف وكيل البرلمان الطالب عبد الرحيم راضي قبل تكريمه الذي كان مقررا له في إحدى الجلسات تشجيعا وتكريما له، مطالبًا اياه بمزيد من النجاح، مؤكدا أن الدولة تشجع الوجوه الشابة التي لها إسهامات دعوية ودينية مشرفة ومعتدلة !
ولا نضرب كفا بكف عندما يكرم محافظ سوهاج المدعو عبد الرحيم راضي، لحصوله على المركز الأول عالميًا في حفظ وترتيل القرآن الكريم ويعرب له عن سعادته بحصول مصر على هذا الشرف الكبير بين مختلف الدولة العربية والإسلامية قائلا أنه مما زاده فخرًا أن من حاز لمصر هذا الشرف ابن من أبناء محافظة سوهاج التي أخرجت العديد من جهابذة العلم والدين وقارئي القرآن الكريم !
كان من المفترض أن يقابل رئيس الجمهورية الطالب الذي أدعي الفوز لكن الحكاية انكشفت عندما قال الشيخ هاني الحسيني، القارئ المعتمد بالإذاعة والتليفزيون، الحائز على المركز الأول في المسابقة العالمية للقرآن الكريم، عام 2010: إن حصول الطالب عبد الرحيم راضى على المركز الأول، ليس له أساس من الصحة
الحكاية بعيدا عن كل التفاصيل الكثيرة بدأت بخبر أعلنه عبد الرحيم.. تحول إلي هاشتاج علي شبكات التواصل فأسرع الأزهر والبرلمان والمحافظ وتامر أمين لتكريمه وإقامة الأفراح والليالي الملاح لابن سوهاج الذي شرف مصر .. قبل أن يتأكد أحد من صدق الكلام أو مجرد البحث عن تفاصيل هذه المسابقة العالمية علي أي موقع إخباري .. اندفع الجميع للطبل والزمر وكأننا نتوق بكل قوة لأي نجاح حتى وإن كان وهميا ولا أساس له !
الجميع شارك في صناعة وتقديم مهزلة بكل المقاييس ، والجميع اعتمد علي الصمت بعد أول تكريم للطالب المدعي واعتبر ما حدث حقيقة !
العيب ليس في الطالب الذي أدرك قانون المرحلة فلعب عليه وقرر أن يستفيد ويلعب بمؤسسات كبيرة في الوطن ويدفعها لاستقباله وتكريمه وإطلاق الألقاب عليه .. العيب فيهم لأنهم لم يبذلوا جهدا يسيرا في التأكد من بعض المعلومات .. الجميع فكر في أن يسبق غيره ليكرم الطالب لينال التقدير ويتحدث عن مصر ومبدعيها وروادها وعظمتها فقط .. عبد الرحيم خذل الجميع وضحك عليهم وأغلق هاتفه ..
الحقيقة أننا نعاني من ترهل في كل شيء ، ونعيش غيبوبة فصلتنا عن واقع الحياة ، ويبدو لنا أننا نعمل ونحن لا نعمل ، ويبدو لنا أننا نحرص علي الوطن ونحن نسيء إليه قدر استطاعتنا طالما اعتمدنا الهاشتاجات أسلوبا وطريقة لحل مشاكلنا .. هاشتاج أفضل قارئ في العالم سحب الأزهر والبرلمان والمحافظ والفضائيات وراءه بكل بساطة وجعلهم مجالا للتندر بهم
عبد الرحيم يستحق جائزة التفوق لأنه استطاع أن يخدع الجميع ويشغل الجميع ويؤكد لنا أن الأخلاق لن تعود بإطلاق حملة وهاشتاج وتلك قصة أخري !