يقول الله تعالى فى سورة هود (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ).
ويقول الشاعر أحمد شوقي:”إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
فما نراه اليوم هوفساد أخلاقي ويعد من أخطر أنواع الفساد !!.
فلو كان الفساد رجلاً لقتلته! فالفساد هو العدو الشرس الذي يتغلغل في مجتمعنا يلتهم أرزاقنا وقوت أطفالنا ولا يعمل إلا في الظلام ليهدم حياتنا. هو ذلك المرض العضال الذي يستشرى في جسد المجتمع حتى ينهكه ويستنفذ ما لديه من موارد.
فالفساد الأخلاقي الذي تشهده مجتمعاتنا اليوم ماهو إلا نتاج الفرد نفسه، وفساد المجتمع لا يبدأ في لحظة واحدة، ولكن يبدأ في فرد أو جماعة صغيرة، وقد يكون السبب في ذلك هو الجهل، أو الفهم الخاطئ للعادات والأعراف والقوانين، أو التحرر من قيود المجتمع وفرض السلطة، وقد ينشأ فساد الفرد بسبب الفراغ، والبعد عن الوازع الديني وعدم تحمل المسئولية، وغياب الإتصال بالأسرة، وللفساد أوجه متعددة، منها الفساد السياسي المتفشي فالأجهزة الحكومية، وهناك الفساد الإداري المتفشي فالمؤسسات والإدارات العامة، ولكن مما لاشك فيه أن أسوأ أشكال الفساد هو الفساد الأخلاقي فهو يبني عليه الفساد المالي والإداري والإقتصادي وغير ذلك من أنواع الفساد، فيقول الله تعالى فى الآيه الكريمة “ظَهَرَ الفَسادٌ فِالبرِ والبَحرِ بِمَا كسبَت أيدي النَاس لِيُذيقَهُم بَعض ماعَمِلوا لَعَلّهٌم يَرجِعون” والفساد الأخلاقي ينتج عنه فساد المجتمع وإنتشار الربا والرشاوي، والإعتماد علي الوسائط، وإهدار الكفاءات، أما حسن الخلق والتمسك بمكارم الأخلاق ينتج عنه صلاح الفرد ومن ثم صلاح المجتمع، فيقول النبي صلي الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وأن التعصب الديني للطوائف وعدم قبول الرأي الأخر والتخلي عن الأدب عند التشاور، هو مايوجد علي الساحة الآن ومنتشر بشكل ملحوظ بين الناس، فالآن أصبح البعض لايريد إلقاء السلام علي من يمر به، حيث أن السلام يدل علي وجود الأمان بين الناس كما في قول النبي صلي الله عليه وسلم “أفشوا السلام بينكم”
فالإسلام جاء لبناء الفرد أخلاقياً، لأن خُلق الإنسان يترتب عليه صلاح المجتمع، فالمحور الأساسي من أسباب ذلك الفساد، هو التقصير فى التربية من جانب الأسرة وغياب القدوة أمام الطفل، ثم المدرسة والمحتوي التعليمي الذي يدرسه الطلاب والتغذية الوجدانية والتعليمية والتربوية، فالعالم يبدأ من مرحلة التعليم، ووضع الرجل المناسب فالمكان المناسب، ثم بعد ذلك يأتي الإعلام لأنه أصبح الاَن يلعب دورا هاماً فى تشكيل سلوك الفرد والمجتمع فهويسهم بشكل كبير في تشكيل وعي الأطفال أولاً، ثم إتجاهات الشباب ثانياً، فهو أحد الأسباب الرئيسية لفساد الأخلاق وأن ما يعرض في القنوات التليفزيونية والمحطات الفضائية اليوم، تحت منطلق الحرية الفكرية، ومن ثم لابد من إحكام الرقابة علي وسائل الإعلام، من أجل تقديم محتوي أفضل للأطفال والكِبار.
فسؤالى الاَن كيف ومن أين يبدأ الفساد الأخلاقي؟
يبدأ الفساد عادة عندما يقدم الشخص على ارتكاب كل ما يخالف الفضائل والمبادئ الدينية، والتقاليد والأخلاقيات وحتى القوانين، معلّلاً جميع تصرفاته بعبارة “من الذي يهتم؟ المجتمع بكامله فاسد من حولي …” وبأن يكون شعاره في التعامل “الغاية تبرر الوسيلة” وبأن يؤمن بأن “البقاء للأقوى وليس البقاء للأصلح”ولن يكون من السهل على المرء عندما يتعثر ويخطو الخطوة الأولى نحو بؤرة الفساد, التي هي أشبه بهاوية شديدة الانحدار, أن يتراجع وأن يوقف انحداره السريع نحو عمق تلك الهاوية!
صحيح أن المرء حينذاك يعيش نتيجة خياراته ويدفع ثمنها, لكنه بذلك سوف يسيء إلى المجتمع وليس فقط إلى نفسه.ومن هنا نستطيع أن نقول هناك العديد من الأسباب التي قد تدفع الشخص إلى الفساد منها:
الجهل والغَفلة والفقر والفاقة و الظلم وعدم العدالة الاجتماعية و غياب القدوة الصالحة في كثير من المجالات و قلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي وقلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات وعدم سن أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة وتوقع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية المتجددة . ومن هنا نسنطيع عزيزى القارىء ان نمتلك عدة أمور وهي الرغبة الصادقة بالتعديل والإرادة الكبيرة القادرة على التحمل والفكر والوعي السليمين والمدركين لإبعاد المشكلة وعند توفر الإدراك لخطورة الامر يمكن ان نحقق الكثير فيه
فلابد ان ننظر بتمعن في أسباب انحلال الأخلاق وفساد الشباب حتى ندرك الحلول لهذه الظاهرة وعلينا أن نعمل على إزالة مثل هذه المسببات من مجتمعاتنا, وهو الأمر الذي يجب أن يبدأ منذ المرحلة الأولى في حياة المرء, تلك المرحلة التي تتكون فيها شخصيته بحيث تعمد الأهل إلى غرس المبادئ الأخلاقية في أولادهم منذ نعومة أظفارهم، وعلى أن يكونوا أيضاً مثلهم الأعلى في ذلك، ثم يلي ذلك مرحلة التوجيه في المراحل التعليمية, التي يجب أن يكون دورها مكملاً لدور التوجيه الذي يتم في المحيط العائلي، ويجب ألا تقتصر مهمة المؤسسات التعليمية على التدريس وإنما على نشر الوعي والثقافة الاجتماعية لدى الطلاب؛ بغية تأهيلهم إلى دخول المجتمع وهم يتمتعون بالإرادة،
وفى النهاية أحب أن أقول لك عزيزى القارىء ان الجيل الفاسد لن يورث إلا جيل فاسداً أخر وكلما بدأنا العمل فى ثورة أخلاق مبكرا كلما كانت نتائجنا المرجوة أفضل .
فالتعليم وإحكام الرقابة هما الدعامتين للقضاء علي هذا الفساد وكل منا يعلم جيداً بأن صلاح المجتمعات لا يكون إلا بصلاح أفراده كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم ) رواه مسلم.