الإتفاق المصري السعودي على انشاء جسر الملك سلمان الذي يربط بين المشرق والمغرب العربيين في واقع الامر ليس مجرد طريق بري يمتد بين البلدين كي يسهل حركة النقل والتنقل بينهما بما ينعش المنطقة تجاريا ويختصر المسافة والزمن ويسهل سفر المعتمرين والحجاج من والى الاراضي المقدسة انما المشروع الذي تاخر كثيرا يفتح طريق آفاقا جديدة لمعانى كم نفتقدها في عالم اليوم مثل التواصل الحضاري الاشعاع الثقافي والتنمية الشاملة بين الدول العربية في قارة آسيا والدول العربية في قارة أفريقيا .
ويعد الجسر معبرا لإحياء الفكر القومي العربي الذي توارى نتيجة سيطرة الافكار الانعزالية على الفكر والعقل العربي منذ اكثر اربعين عاما نتيجة عوامل متداخلة منها تسلل الضعف الى الجسد العربي وتراجع خطط التكامل الإقتصادي بين دول امة العرب الواحدة التي يجمعها الدين واللغة والتاريخ والمستقبل والمصير – هكذا علمونا في المدارس – وسادت افكار الفردية ونبذ العمل المشترك ما ادى الى انعكاس هذا الضعف على القرار العربي بكل مستوياته .
وتمثل هذا الضعف في التنظيم الاقليمي التي تجسده جامعة الدول العربية وكان من الطبيعي ان تتنامى الظواهر السلبية في عالمنا العربي ومنها ظاهرة الإستقطاب التي تكرس للتباعدات السياسية و والاقتصادية وتغذي الجوانب الصراعية بين دول المنطقة بل داخل الدولة الواحدة نجد انه قد نشبت نزاعات وتفجرت نزعات إثنية ومن ثم تم خلق بيئة غير مواتية ترفض التعاطي مع اي افكار من شأنها أن تحث على الوحده العربية والتضامن بين شعوبنا . ولاشك ان المشهد شجع اطرافا اخرى غير عربية على إعادة رسم خريطة مصالحها بما يتفق مع اطماعها الاقليمية وتحقيق اكبر استفادة ممكنة من هذا الوضع الذي لا تحسد الامة العربية ويمكن القول انه لم يتوقف الامر عند هذا الحد فقط انما حيكت مخططات في الخفاء منذ نحو عقد لتقسيم الدول العربية وتحويلها الى دويلات بهدف تفتيت العالم العربي لصالح هذه الاطراف غير العربية ومن بينها اسرائيل وايران وتركيا وروجت الة الاعلام – ومن بينها نوافذ إعلامية عربية تعمل باجندات خارجية – للافكار الانعزالية وانه لا فائدة للتحرك العربي الجماعي ويجب ان تعمل كل دولة من اجل الحفاظ على مصلحتها فقط بعدما لم تجد افكار ومشروعات وجدوا معها انه لا قيمة لاي تعاون بين اطراف الجسم الضعيف وساهم التكرار في ترسيخ هذه الافكار وتأكيد الحالة السلبية التي يعيشها الوطن العربي وعلية كان طبيعيا ان تسود مظاهر نظرية الفوضى التي وصفها البعض بالخلاقة في محاولة لتجميل الصورة المشوهه التي تشكل واقعا صادما .
وهكذا آن الآوان لكي يتفق العرب على التعاطي مع هذا الواقع بشكل يعيد صياغته من جديد والانتقال من حالة سلبية الى حالة إيجابية تغير منه وتوقف مدا تراجعيا يصب في بئر الانهزامية اصيبت به امتنا العربية وتقطع الطريق على المتربصين والراغبين في الإجهاز على العالم العربي ولاشك ان اي تحريك للم الشمل العربي لابد ان يأتي من اكبر دولتين عربيتين مصر والمملكة العربية السعودية وبالتالي اي تقارب بينهما هو في الصالح العربي قبل ان يكون في صالح الدولتين فقط وعليه جاء الاتفاق على إنشاء مشروع جسر الملك سلمان بين مصر والسعودية ضربة قاضية للساعين الى تفتيت المنطقة وفي الوقت نفسه يعتبر رسالة واضحة لكل الأطراف صاحبة الأطماع الإقليمية بإن هذه الأطماع سوف تجد طريقا مسدودا في ظل استعادة الزخم العربي الذي احدثته زيارة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة لأرض الكنانه واثبتت ان الخروج من النفق المظلم الذي اندفعت اليه الامة العربية سيظل رهنا بتنامي العلاقات المصرية السعودية التي ستعتبر بحق جدارا صلبا يحطم كل آليات سياسات تكريس التفرقة والتقسيم التي ينظر اليها على انها احد اهداف ما يسمى حروب الجيل الرابع في عالم اليوم ولهذا حاول البعض إفتعال مشكلة جزيرتي خليج العقبة للتعتيم على اهمية المشروع الاستراتيجي الخاص بالجسر متناسيا أن الجسر سيلغي الحدود ولم يعد البحر الاحمر المانع الطبيعي بين حدي الدولتين الشقيقتين .
وسيبقى التواصل الانساني والترابط القومي والمصالح المشتركة والدمج الحضاري بين ارض الحرمين وارض الكنانة اكبر واعمق من افتراضات مفتعلة للذين انزلقوا الى مستنقع عدم الفهم الصحيح للعلاقات التاريخية بين الشعبين المصري والسعودي وسيظل اصرار الجانبين على المضي قدما في إتجاه تحقيق الحلم العربي !!