في إحدى لحظات الشغب الفكرى والتي كثيراً ما تعتريني كحالة مزاجية مؤقتة لا تلبث أن تنجلي سريعاً قفز إلى ذهني سؤال شغلني بالبحث عن إجابة له فأمسكت بالقلم على الفور لأكتب ما يجول في خاطري وأسألك يا من تقرأ بعدي وأقول: ترى من هم الغرباء برأيك؟ ولا تجبني رجاء بما أعرف وتعرف فما أبحث عنه من خلال إثارة هذا التساؤل لن يظهر إلا بعد أن تفكر معي بصوت عالى وتستغرق متأملاً لما حولك. فالواقع اليوم يقول بأن الغريب لفظ أتسع معناه ليشمل نماذج ساقتها إلينا الظروف لأسباب لا نعلمها! فلم يعد الغريب فقط غريب الوطن أو المكان أو السلوك فقد يكون الغريب من يصحو صباحاً ولا يرى في مرآته سوى بقايا ملامح ضاعت هوية صاحبها!
فكثير منا يعانى في حياته من إغترب داخل وطنه وفي داخله وحدة كبيرة كالفقاعة تكبر شيئاً فشيئاً مبعدة إياه عن كل ما كان يحلم به في وطنه ولكن في داخله ألم كبير من غربة الناس عنه يقترب منهم كما تقترب الفراشة من النار معتقدة أنها متجهه إلى النعيم دون إدراك منها أنها ستتألم وستحترق مع كل مشاعرها كورقة في لهب…!!.
يقول على بن أبى طالب :
المال فى الغربة وطن ..والفقر فى الوطن غربة.
ومن هنا أتسأل ؟؟؟!
كيف فى وطن لا نموت فيه من القهر ؟؟!..كيف ونحن جائعون من أول الشهر ..؟؟؟!
وإذا أعترضته قالوا يا هذا أقصر الشر …!!!..لا تتكلم ولا ترفع صوتك وعليك بالصبر.!!.
ولا تشكو إلى الله شىء من هذا الأمر…!!!… فقد صار الرب فى بلادنا هو ولى الأمر…!!
فتعجبت ….!!!! فماأقسى الشعور بالغربة وأنت تعيش داخل وطنك ..! . ماأقسى الشعور بأن الوطن ليس وطنك , والأرض ليست أرضك , ماأقسى الشعور بأنك تعيش ببدنك فقط داخل الوطن . أما نفسك فتحلق فى فضاء غريب , أما روحك فهى كالطائر فى القفص , مهيضة الجناح , مقصوصة الريش . تستيقظ فى الصباح لترتشف جرعات الشعور بالغربة فى كؤوس الألم والحنين للوطن وأنت تعيش فيه , لكن ببدنك فقط , لكنك تعجز أن تعيش فيه بنفسك وقلبك وعقلك وروحك . ولما لا..؟ وقد قتلوا نفسك , وأمرضوا قلبك , وخطفوا عقلك , وأعيوا روحك . أشعر بالغربة عندما أعيش فى وطني و أشعر أنني لست من أصحابه . أشعر بالغربة عندما أرى وطني وقد أستولوا عليه وأغتصبوا ثرواته , وأختلسوا كنوزه , وصادروا ممتلكاته , بل جردوه من ملابسه ليتركوه وحيداً فريداً عرياناً لايجد مايستر به عوراته , حتى ورقة التوت سرقوها ونهبوها..! ؟. ماأقسى الشعور بالغربة وأنت تعيش داخل وطنك ..! .. فغياب العدالة فى وطني غربة . غياب الحرية فى وطني غربة . غياب الحقوق فى وطني غربة . غياب الحق فى وطني غربة . الفقر فى وطني غربة . الظلم فى وطني غربة . أقتحام البيوت فى ظلمة الليل فى وطني غربة . الفساد في وطني غربة . قتل الشباب وأغتصاب الفتيات فى وطني غربة . تزوير الانتخابات فى وطني غربة . وسجن الأبرياء في وطني غربة . لصوص يعيشون في القصور وآخرون يعيشون وسط القبور فى وطني غربة . غروب شمس الحرية فى وطني غربة . الشعور بأنك متهم حتى تثبت براءتك فى وطنك غربة . توزيع المناصب على أبناء البطة البيضاء وهم فاشلون فى وطني غربة . أتهامك بالإرهاب وأنت ترتجف وترتعش عندما ترى طيرا مذبوحا غربة . أستيقظ على رائحة الظلم فأشعر بالغربة في وطني . أستيقظ على أستباحة الدماء فأشعر بالغربة . أموت في اليوم مائة مرة فأشعر بالغربة . أنفق راتبي في أول يوم في الشهر فاشعر بالغربة . أخشى أن أعبر عن رأيي فيقطع لساني فأشعر بالغربة . أنام ليلتي وأضع رأسي فوق مخدتي وأنتظر أقتحام غرفتي فأشعر بالغربة . أريد أن أبكي فأبحث عن الدموع فأجدهم قد سرقوها من مقلتي فأشعر بالغربة . أريد أن أتنفس فأجدهم قد أغلقوا كل النوافذ والأبواب فأشعر بالغربة . أريد أن أشرب ماء نقياً فأجدهم قد لوثوا كل الأنهار فأموت ظمأ فأشعر بالغربة . أريد أن أسير آمنا فأجدهم قد لغموا كل الطرق فأشعر بالغربة . الغربة تحت قدميك وفوق رأسك وعن يمينك وعن يسارك فماذا أنت فاعل..؟ كل إنسان لايكفيه راتبه سوى أيام معدودات فهو فى وطنه غريب . . كل إنسان لايجد بيتاً يؤويه فهوفى وطنه غريب . كل إنسان لايجد ثمن الدواء فهوفى وطنه غريب . كل إنسان يبيت ليلته وهو يشعر أنه غير آمن في سربه فهوفى وطنه غريب . كل إنسان لايأمن على عرضه وماله ونفسه فهو فى وطنه غريب . كل إنسان مقهور مظلوم ولايجد من يأخذ له حقه فهو فى وطنه غريب . كل سجين ومعتقل بلا تهمة أو ذنب أو جرم فهو فى وطنه غريب .. كل إنسان يخشى أن يسير من أمام قسم الشرطة خشية الاعتقال أو القتل أو القبض عليه فهو فى وطنه غريب . كل إنسان يجتهد فى دراسته ويكون على رأس قائمة المتفوقين ثم لايجد عملاًيناسب تفوقه فهو فى وطنه غريب . ماأكثر الغرباء فيك ياوطنى . وما أكثر المظلومين والمقهورين فيك ياوطنى . يصرخ الإنسان مذبوحاً من الألم فى وطنه , فلايجد من يواسيه لأنه غريب . يموت الإنسان فى وطنه فلايجد من يعزى أهله فيه لأنه غريب . يعرى ويجوع ويظمأ الإنسان فى وطنه فلايجد اليد التي تمتد إليه لتطعمه وتسقيه وتكسيه لأنه غريب . يبكى الإنسان ويذرف الدمع مدراراً فلايجد من يكفكف دموعه ويرضيه لأنه غريب . يقف الإنسان فى طوابير البطالة سنين عديدة حتى يصبه الدور ليجد عملاً, ويهرم ويمرض قبل أن يأتى عليه الدور لأنه فى وطنه غريب . يذهب الإنسان على قدميه إلى مستشفيات الحكومة التي لافرق بينها وبين مقالب الزبالة ثم يخرج منها مذموما مدحوراً محمولاً على الأكتاف إلى مثواه الأخير غير مأسوف عليه لأنه فى وطنه غريب . تقف فى لهيب الشمس وزمهرير الشتاء على الرصيف تنتظر وسيلة مواصلات تنقلك إلى عملك فلاتجد , وتمر عليك المرسيدس والشبح وأصحابها يخرجون ألسنتهم لك سفاهة وأستهزاء بك لأنك فى وطنك غريب . كم فيك يامصر من المضحكات المبكيات . الغربة فى وطني شعور وإحساس . الغربة فى وطني أجدها فى عيون ونظرات الناس . الغربة فى وطني أجدها فى كل شئ دون غموض أو التباس . الغربة فى وطني هم بالليل وذل بالنهار . الغربة فى وطني نار فى قلبي لن تطفئه مياه الأنهار. الغربة فى وطني أستشعرها فى نبضات قلبي , الغربة فى وطني أستشعرها فى دموع عيني , الغربة فى وطني أستشعرها فى زفرات نفسي , الغربة فى وطني أستشعرها في خلجات صدري , الغربة فى وطني أستشعرها مبكراً فى الصبح , إذا تنفس , أستشعرها فى المساء , فى الليل إذا عسعس , أستشعرها فى اليقظة وفى المنام , ولما لا فالغربة حولت الحقيقة إلى أحلام والواقع إلى أوهام , فلم يعد بمقدورك أن تمسك بيديك شيئاً ملموساً يحقق لك ماتريد , لأن كل شئ يهرب منك كما يهرب الماء من بين فروج الأصابع..!؟. و لكن.. هل إلى خروج من سبيل من هذه الغربة الكئيبة المميتة ..؟ هل إلى خروج من هذا الشعور المؤلم الفظيع..؟ متى نشعر أن الوطن يعيش فينا قبل أن نعيش فيه.؟ متى نشعر أننا أصحاب الأرض والعرض ..؟ متى نشعر إن ترزية القوانين لايفصلون القوانين خصيصاً لكبت حريتنا ولقهر إرادتنا..؟ متى نشعر أننا مواطنون أحرار وليس عبيداً منا كيد..؟ متى يستقر فى عقولنا وقلوبنا أننا نعيش فى هذا الوطن يوما بيوم فقط .؟ متى يفارقنا الشعور بأن من حل عليه المساء منا , قد لايحل عليه الصباح إلا وهو مكبل ومقيد خلف الأسوار ووراء الشمس بلا ذنب أو تهمة أو جريمة..؟ كل ماسبق ذكره جدير بقتل روح الانتماء فى أي إنسان تجاه ووطنه ويجعله يشعر بالغربة وهو بين أهله وشعبه . الشعور بالأمن فى الغربة وطن . والشعور بالخوف فى الوطن غربة . الشعور بالعدل فى الغربة وطن . والشعور بالظلم فى الوطن غربة . الشعور بالغنى فى الغربة وطن . والشعور بالفقر والفاقة فى الوطن غربة . الشعور بحب وعطف الناس فى الغربة وطن . والشعور بالحقد بالكراهية والبغضاء فى الوطن غربة . الوطن ليس مجرد قطعة من الأرض يعيش عليها شريحة من البشر لايربطهم غير مرابط الماء والكلأ والمرعى , لأن هذا هو عيش القطيع . وإنما الوطن مواطنة وحب وتسامح وأمن وأمان وعقيدة وإسلام وحقوق وواجبات ولك وعليك . الوطن دفء وأمل وآمال وأنتماء وعطاء .فلمن نحيا ؟!!
ونحن الوطن ..إن لم يكن بنا كريماً اَمناً ولم يكن محترماً ولم يكن حراً …فلا عشنا…ولا عاش الوطن و أينما تكن حريتي يكن وطني . لأنها أحب بلاد الله ألينا فيها ولدنا , وفيها نعبد الله حتى يأتينا اليقين فأيها الوطن دموعك تشبه دمع أمى فلا تبكى كى لا نحترق فقد خلقت الغربة لمن يملك وطناً أما نحن فلا غربة لنا فحين يفيض الوطن بالضفادع تصير مصر مستنقع كل مشتهى فهناك أناس سمعوا أن الوطن غالى فباعوه.