نظرة تأمل…
الرقابة والرقيب كلمتان سيئتان السمعة منذ عهود سابقة، لأنهما فى الإعلام ارتبطتا بمصادرة حق تداول المعلومات ورآها البعض تعدياً سافراً على فكرة الإبداع الفكرى، ومحاولة سافرة لوأد الممارسة الديمقراطية على المستوى السياسى، وبعد أن شهدت مصر ثورتين فى أقل من خمس سنوات ظل الانطباع مستمراً والحديث عن أى شكل من أشكال الرقابة تقابل بهجوم شديد، وأذكر أنه خلال الانتخابات التشريعية عام 2011 كنت عضواً ضمن اللجنة التنسيقية للانتخابات التابعة لمجلس الوزراء، وعندما تطرقنا لموضوع الرقابة على الانتخابات من قبل منظمات المجتمع المدنى سواء من مصر أو الخارج ارتأى البعض أن كلمة رقابة سيكون لها رد فعل سلبى، ومن ثم يجب استبدالها بكلمة أخرى أقل وطأة وهى المتابعة رغم أن المفهومين على الأرض فى التطبيق العملى واحد، وما يعنينا هو هل فعلًا يجب ألا توجد رقابة فى عملية الاتصال الجماهيرى أو الإعلام الذى يتمثل فى رسائل تدخل كل بيت بلا استئذان وخروجه من دائرة الرقابة بمفهومها الواسع؟
مما لاشك فيه أننا نعيش فوضى إعلامية اختلطت فيها المفاهيم خاصة بين السياسة والإعلام الأمر الذى أدى إلى الإمعان فى الانفلات حيث تختلف الرقابة الإعلامية عن الرقابة بمعناها السياسى أو الأمنى، لكن النظر إليها على أنها واحدة وفى كل الحالات وعلى كل المستويات هو خروج متعمد عن دائرة الصواب لإبقاء الوضع على ما هو عليه من عدم استقرار مهنى فى الأداء الإعلامى، ويجب أن نتعامل مع مفهوم الرقابة فى الإعلام من رؤية مختلفة تماماً عن البعدين الأمنى والسياسى لأنهما مرتبطان بمستوى صنع واتخاذ القرار أو بمستوى عملية رسم السياسات، لكن الرقابة الإعلامية المقصود بها هنا أنها تعنى المحاسبة الذاتية بما يخضع الأداء لمجموعة من القيم والمعايير المهنية بحيث يضع الإعلامى أو صانع الرسالة الإعلامية سواء كان محرراً معداً ومذيعاً مقدماً للبرامج أو مراسلاً فى إطاره المرجعى سؤالًا من الضرورى أن يجيب عنه قبل إرسال رسالته للمستقبل أو المتلقى.. ما هى ردود الفعل المتوقعة بعد وصول الرسالة الإعلامية؟ هل هذه الردود متفقة مع الهدف من الرسالة؟ هل نجحت وبأى نسبة فى الالتزام بالقيم والمعايير المهنية؟ من هنا نكتشف أن الرقابة الذاتية تصحح المسار الإعلامى وتبتعد سواء بالإعلامى أو المتلقى عن حالة العشوائية فى العلاقة بينهما وتضمن أداء مهنياً تحكمه قواعد علمية محددة، لكن يظل السؤال إذا غابت الرقابة الذاتية واستمرت الفوضى الإعلامية فما هو السبيل للخروج من هذه المعضلة؟ تلك قضية أخرى.