إن التكليفات التى أصدرها الرئيس للمجموعة الاقتصادية الوزارية الاسبوع الماضى , تهدف جميعها الى رفع مستوى معيشة المواطن المصرى البسيط، وتحقق قدرا من التوازن الاجتماعى والاقتصادى بين طبقات الشعب المختلفة، وذلك من خلال تحسين مستوى الخدمات العامة ومن خلال استكمال كافة مشروعات الصرف الصحى والمياه والكهرباء. الخ، وتوفير السلع الاساسية بأسعار مناسبة ومحاولة ضبط اسعار السوق، الى جانب تأكيد سيادته على ضرورة ترشيد الانفاق الحكومى بكل اشكاله لكى تكون إدارة الدولة قدوة للشعب.
وكلها اهداف طالما طالبنا بها منذ قيام ثورة يناير 2011 وحتى اليوم، ولا شك ان ادارة الرئيس السيسى تعمل على ذلك بكل طاقتها، الا ان الامر لكى يتحقق على ارض الواقع ونلمسه جميعا يحتاج الى بعض الضوابط والتوضيح، فالنفقات العامة التى تقوم بها الدولة يمكن تقسيمها من حيث أثارها المباشرة على المجتمع الى نفقات حقيقية، وهى تلك التى توزع دخولاً مقابل انتاج جديد، والى تحويلية، وهى تلك التى تحول جزءا من الدخل القومى للدولة من فئة اجتماعية الى فئة اجتماعية أخرى، أو من أقليم الى إقليم أخر أكثر فقراً. وواضح إذنً أن النفقات التحويلية يقتصر أثرها المباشر على إعادة توزيع الدخل القومى. وعليه يمكن القول إن النفقات التحويلية وإن كانت تستمد أهميتها، بصفتها أداة مالية فعالة، من تأثيرها فقط فى إعادة توزيع الدخل القومى (فى صالح الفئات الاكثر احتياحاً) إلا أنها لا تقدم قيمة مضافة للدخل القومى بشكل مباشر.
وعلى ما تقدم ولكى يفهم القارئ معنى النفقات التحويلية وأثرها فى حياته، يمكن أن نقسمها من حيث أغراضها إلى ثلاثة أنواع وهي، الأولى النفقات التحويلية الاجتماعية، وهى تلك التى تتم بلا مقابل، وبغرض رفع مستوى معيشة بعض الطبقات والأفراد ومثلها الإعانات النقدية التى تمنح للموظفين والعمال لمقابلة الأعباء العائلية، أو مقابل غلاء المعيشة، والإعانات التى تمنح للعائلات كبيرة العدد، أو تلك التى تمنح لمقابل المرض أو الاصابة أو الشيخوخة أو البطالة. والثانية، النفقات التحويلية الاقتصادية، وهى الاعانات التى تمنح لبعض المشروعات بغرض رفع أرباحها أو بغرض حماية الصناعة الوطنية أو بغرض تخفيض أثمان منتجاتها (خاصة السلع الأساسية والضرورية والاستراتيجية للشعب وللأمن القومي) والثالثة، النفقات التحويلية المالية، وهى فوائد الدين العام واستهلاكه.
وفى ضوء هذه الأنواع السابقة الذكر من النفقات التحويلية يمكن أن تقسم التحويلات التى تقوم بها النفقات العامة للدولة، بشكل عام، الى تحويلات مباشرة، وهى التى تنصرف الى تحويل جزء من القوة الشرائية للنقود عن طريق إعطاء المستفيد “دخلاً نقدياً” وهى ما تعرف لذلك “بالتحويلات النقدية”، والى تحويلات غير مباشرة، وهى تلك التى يتلقى المستفيد منها سلعة أو خدمة بالمجان أو بثمن يقل عن نفقة عوامل الانتاج ومثلها الاعانة التى تمنح للمنتجين بغرض تخفيض ثمن البيع للمستهلك، كما ذكرنا من قبل، وهذه هى ما تعرف “بالتحويلات العينية” (وهو المعروف للعامة باسم الدعم النقدى والدعم العينى).
وقد أصبحت النفقات التحويلية تشكل فى مصر بشكل عام وبصفة أساسية نسبة مرتفعة جداً من مجموع النفقات العامة للدولة وتنقل من أعباء الموازنة العامة للدولة، وذلك بسبب التوسع) فى القروض العامة وفى الأخذ بالضمانات الاجتماعية (بعد ثورة 2011 وثورة 2013 وحتى الان)، الى جانب زيادة منح الاعانات الاجتماعية، بالإضافة الى الاستجابة المتكررة للمطالبات بزيادة الأجور والمرتبات والحوافز من كثير من القطاعات رغم عدم زيادة الانتاج القومى بالقدر الكافي، هذا بخلاف نفقات خفض تكاليف المعيشة وتنظيم التموين (خاصة فى ظل ارتفاع الأسعار خلال الثلاث سنوات الماضية والاجراءات التعويضية التى تقوم بها وزارة التموين والقوات المسلحة فى هذا المجال). ولئن كانت النفقات التحويلية تشكل فى زيادة حجمها الأعوام السابقة القليلة أداة هامة من أدوات إعادة توزيع الدخل القومى، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية المؤقتة، إلا أننى أرى أن الحل الجذرى هو زيادة الانتاج العام والخاص وخلق فرص عمل جديدة حتى يتسنى أن ترتفع الدخول الحقيقية للمواطنين وليس النقدية فقط التى لا تفضى الى شيء على المدى القصير، غير تضخم فى الاسعار.
وإلى أن يتحقق ذلك يجب على الدولة عدم المساس بحقوق الفقراء وعدم الغاء اى نوع من أنواع الدعم خاصة الذى يذهب الى محدودى الدخل، وان كنت أفضل الابقاء على “التحويلات العينية” عن التحويلات النقدية”، اى بعبارة اخرى الاستمرار فى الدعم العينى بدلا من الدعم النقدى، لما للثانية من سلبيات فى التطبيق، والذى لم ينجح فى أغلب دول العالم التى فى مرحلة النمو. وأقول لهؤلاء التى تسول لهم أنفسهم بإلغاء الدعم: “ارفعوا أيديكم عن الفقراء فى مصر”. واعتقد ان تكليفات السيد الرئيس اكدت على هذا الاتجاه العام لسياسة الدولة نحو الفقراء فى المرحلة الحالية.