لم أتوقع أن يتسبب نشرى لفيديو عثرت عليه على «يوتيوب» يتضمن تطوير الجيش الأمريكى للبيتزا بنوع خاص من البكتيريا لضمان بقائها طازجة لفترة طويلة كل هذه الضجة من قبل المصابين بأرتيكاريا العداء للجيش دون أن يدركوا ببعض من التفكير رسالته التى يحملها ومفادها أن الأمن الغذائى لأى جيش مسألة أمن قومى تصل إلى حد تطوير صناعة البيتزا فى أمريكا أو امتلاك مصانع للطعام كالمكرونة فى مصر وذلك لضمان توافر الطعام للجيوش وعدم تعرضها لأى أزمة. نشرت الفيديو على صفحتى بتعليق يقول: «الجيش الأمريكى يطور البيتزا لتبقى طازجة فلماذا لم يقل أحد إنه جيش البيتزا؟»، لأدرك غياب البصيرة عن البعض وتعمد الإساءة لدى البعض الآخر والرغبة فى الهدم لدى البعض الثالث وكلهم بالنسبة لى «مساكين» استبسلوا فى الدفاع عن درء التهمة عن الجيش الأمريكى، وبإصرار غريب على اتهام الجيش المصرى بأى شكل.. فأى منطق هذا؟!
بالطبع صاحَب هذا أزمة ألبان الأطفال التى أراها أزمة حكومية جديدة تضاف لأزمات حكومة تفتقر للإعداد لقراراتها والتسويق لها وصياغة مفرداتها المعلنة عنها، إلا أن حجم السخرية والتطاول الذى لم يطل الحكومة بل انصب على الجيش المصرى وكأنه مُدان لتدخله فى إيجاد حل للأزمة، ذكرنى بذلك التقرير الذى أذاعته قناة «سى إن إن» الأمريكية منذ أسابيع وكان بعنوان «الجيش الشبح الذى هزم هتلر». ومرفق لحضراتكم اللينك الخاص به لتشاهدوه وتعلموا معنى هدم الدول بالشائعات والإعلام والفن الذى مارسته كتيبة أمريكية قوامها 1000 فرد فى الحرب العالمية الثانية.
ففى العام 1996 تم الكشف فى الولايات المتحدة الأمريكية عن «كتيبة الجيش الشبح» لتكريم ذكرى أبطالها الألف من الفنانين التشكيليين والإعلاميين والكتاب والممثلين الذين كان عليهم تحقيق هدف واحد مهما تعددت المهام المنوط بهم القيام بها. كان عليهم إثارة البلبلة واللغط وسوء الفهم والتشكيك فى قدرات الجيش الألمانى لإلحاق الهزيمة به. كانت مهمة تلك الكتيبة خداع الأعداء وجعلهم يعتقدون أنها مؤلفة من 30 ألف رجل. إلا أن الجيش الشبح لم يكن مؤلفاً من جنود تقليديين. وإنما كانوا بأغلبيتهم ممثلين ومصممين ومعلنين وفنانين استخدموا قدراتهم الإبداعية لابتكار أشياء وهمية. فنشروا دبابات بلاستيك بلون الدبابات الحقيقية مثل القصور النطاطة. واستخدموا مكبرات صوت ضخمة لإصدار مؤثرات صوتية لدبابات وجنود يسيرون، كان قد تم تسجيلها سابقاً.
تلك هى القصة ببساطة يا سادة التى أدركها الأمريكان منذ الحرب العالمية الثانية، لعبة الخداع الساعى إلى هدم قدرات الشعوب وقوتها والتشكيك الدائم فى ما يتم بثه لهم عبر إذاعاتهم ووسائل إعلامهم. بدايات مبكرة لحروب العقل والدماغ تطورت اليوم لتبلغ مداها لتصير المعلومات قنابل متفجرة بالسخرية والتهكم والتشكيك للفتك بمفهوم الاستقرار والمنطق والإنجاز فى زمن بات يرفع شعار «تسييح الدماغ لا تسييح الدم». تتذكر تلك الكتيبة وأنت تتابع كل ما يحدث حولنا وصار جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية فما تنفك تنتهى بلبلة شائعة حتى تظهر لك شائعة جديدة لا تعرف مصدرها ولا تفهم منطقها العجيب. أقولها وأجرى على الله خوفاً على وطن لا نملك سواه.. نخوض حرب استنزاف بشعة تغيرت وسائلها ومقوماتها وقوات العدو فيها. لم يعد عدوك بحاجة لإرسال جيوش لقتالك. سيكتفى بك أنت جيشاً قاتلاً فقط حينما «تسيح» دماغك فتقرر «تسييح دمك» ودم من هم من دمك. عملية مضمونة وسهلة ونظيفة وغير مكلفة.. فقط يطلق عليك جيش الشبح من مأجورين وإعلاميين وفنانين ونشطاء يرون فى أوهام «الطاقية الأمريكانى» إبداعاً مطلقاً ويحاربون كل خطوات البيادة المصرية بشكل مطلق. ولذا لا عزاء للمغيبين..