فى غفلة من الزمن وفى ظل معاناة هذا الشعب المكلوم الذى تحيطه المؤامرات من كل حدب وصوب.. يفاجئنا مجدداً د.زاهى حواس-وزير الدولة الأسبق لشئون الآثار- بإعلانه عن اقتراب عمل ثقوب داخل الهرم الأكبر.. على الفور اتصلت بمصادرى فى الآثار لأعرف أصل الحكاية التى لا تنتهى.. فأكدوا لى أن هذا الأمر يخل بأمن البلاد واستقرارها.. بل وينذر أيضاً بكارثتين محققتين.. الأولى .. يترتب على هذا العمل حدوث انهيار شديد من داخل وخارج الهرم.. والثانية.. إن العمل لا يخدم سوى الدوائر الصهيونية.
وحتى يعى القارئ ماذا جرى ويجرى لآثارنا وتاريخنا على أرض الواقع.. لابد وأن نسأل قيادات الآثار عن تفاصيل وأبطال المسرحية الهزلية التى تبنتها الجمعية الجغرافية الأمريكية عندما قامت بثقب الهرم الأكبر للمرة الأولى بمباركة د.حواس ورجاله.. وقد تابعها العالم أجمع على شاشات التليفزيون حتى الساعة الخامسة فجراً فى أحد أيام شهر سبتمبر من عام 2001 وسط ذهول واعتراض العلماء والخبراء والأثريين والمتابعين المصريين.
حينها سألنا عن أصل الحكاية ممن يستطيعون فك طلاسم هذا السحر العجيب.. وتأكدنا أن من قامت بهذا العمل الإجرامى واحتكرته دون غيرها هى الجمعية الجغرافية الأمريكية المتخصصة أصلاً فى مجال البيئة والتاريخ الطبيعى أى المفترض-أقول المفترض-إنها بعيدة كل البعد عن مجال الآثار ولكن من الواضح أن لسان حال المسئول الأول عن الآثار فى هذا الوقت السيد فاروق حسنى-وزير الثقافة والآثار- كان يقول: «للضرورة أحكام».. وكشف الواقع الأليم بعد ذلك أن الهدف من هذا العبث-بحسب ما رأيناه فى تلك الليلة السوداء-لا يمكن أن يكون لصالح مصر.. والغريب-العجيب فى الأمر أيضاً هو منع الإعلام المصرى وعلى رأسه تليفزيون الدولة الرسمى من حضور هذا الحدث الجلل.. مش كده وبس.. لا والله.. لقد تأكدنا من احتكار متعمد للجمعية فى بث وإذاعة الحدث لـ 4 4 1 قناة فضائية.
والمضحك-المبكى بقى.. إن التليفزيون المصرى ممثلاً فى د.ميرفت محسن-أستاذة الأدب الإنجليزي-وابنة الكاتب الكبير محسن محمد تم إيقافها خارج الهرم الأكبر وُطلب منها ترجمة ما يقوله المذيع الأمريكي.. فما كان منها إلا أن تمتثل للأمر.. وقامت بالترجمة الحرفية نقلاً عن مذيع الجمعية الجغرافية الأمريكية قائلة: «نحن الآن أمام كشف مهم.. وهو اكتشاف مزامير داوود وألواح التوراة داخل الهرم»!!.. إذن الأمر مرتب ومبيت يا سادة .. وهذه ليست أبحاثاً علمية كما يدعون.. إنها والله أبحاث صهيونية تهدف إلى تزييف التاريخ المصرى .. وهانروح بعيد ليه.. ألم يقل الصهيونى مناحم بيجن-رئيس وزراء العدو الإسرائيلى أثناء زيارته لمصر وهو يقف بجوار السادات فى مؤتمر صحفى كبير : «نحن بنينا الأهرام»؟!.. وهذا الافتراء يردده أيضاً الكثير من علماء الآثار اليهود.. مع أنهم وغيرهم من المهتمين بالتاريخ متأكدون أن الأهرامات تم بناؤها قبل سيدنا إبراهيم عليه السلام بألف سنة!!.
وليت الأمر قد وقف عند هذا الحد.. بل فوجئ علماء وخبراء الآثار مصريون وغيرهم أن هذه الجمعية نشرت على موقعها صورتين يكشفان-بحسب ادعائها- عن باب حجرة داخل الهرم ذى مقبضين معدنيين ومكتوب عليه علامات عززت كذب وادعاء علماء الآثار التوراتيين لما يسمى «البروتوساينتيك».. وهى ذات الادعاءات التى يحاول بنو إسرائيل الترويج بأنها «أصل اللغة العبرانية وكل لغات العالم».. وجاءت شهادة عدد من علماء الآثار الأمريكان-المحايدين لتدحض هذا الادعاء والافتراء.. ووصفوه بـ«الفبركة».. أما أساتذة كلية الهندسة بجامعة القاهرة فردوا هم أيضاً على أكاذيب الجمعية الأمريكية بتقرير علمى أثبتوا فيه براعة أجدادهم فى فن العمارة.
وشرح أساتذة العمارة بجامعة القاهرة فى تقريرهم كيف تم بناء الهرم بطريقة الفجوات الهوائية كى تتحمل الثقل الشديد للأحجار الضخمة.. محذرين من أن العبث بهذه الفراغات يخل ببنيان الهرم الداخلى ومن ثم الخارجى.. وقد سقطت بالفعل بعض الأحجار هرم خوفو بعد إجراء ثقب سبتمبر 2001-بحسب ما نشرت ذلك مجلة روز اليوسف وصحف مصرية أخرى.. فضلاً عن اعتراف د.صبرى عبد العزيز-رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق-بالواقعة وهو حى يرزق – محال للمعاش – كما تم تشكيل لجنة برئاسة العميد الأسبق لكلية الهندسة – جامعة القاهرة منذ نحو عشر سنوات أكدت خطورة عمل ثقب داخل هرم خوفو وكان هذا بناءاً على طلب من مباحث أمن الدولة – فرع جابر بن حيان – الدقى بواسطة الرائد عمرو مشالى-المسئول بفرع الآثار بمباحث أمن الدولة آنذاك.. شاهدوا رابط فيديو بعنوان «عملية فتح الغرفة السرية بالهرم».
العلماء الصهاينة لم ولن يهدأوا عن استكمال مؤامرتهم ضد تاريخ وحضارة وآثار مصر طالما وجدوا من أبناء جلدتنا من يساعدهم على ذلك.. فعندما كثر الحديث عن جرائمهم فى ثقب الهرم الأكبر.. أرادوا أن يستكملوا حقدهم ويبثوا سمومهم فى أكثر من مكان.. فاستطاعوا مؤخراً عن طريق أصدقائهم الأثريين المصريين أن يفتحوا جبهة أخرى فى منطقة جنوب سيناء لإضفاء الصبغة العلمية على «حلمهم المزعوم» أو مشروعهم الوهمى الذى يحاولون من خلاله إثبات ادعائهم وكذبهم أن جميع العمال الذين استخدمهم الفراعنة فى العمل بمناجم هذه المنطقة.. خصوصاً مناجم استخراج الفيروز «التركوز» كانوا عبرانيين.
و«المصيبة السوداء» أن هؤلاء الصهاينة تمكنوا من كتابة عدة عبارات-على طريقة ما فعلته هذه الجمعية الملعونة- على بعض أحجار هذه المناجم باللغة الهيروغليفية المختصرة.. والتى يدعى من خلالها عدد من علماء الآثار اليهود أن هذه اللغة ليست هيروغليفية.. بل هى لغة مستقلة أطلقوا عليها اسم «بروتوساينتيك».. أى ما قبل السينائية.. كما زايد عدد منهم فى كذبه وغيه وادعائه حينما قال إن «البروتوساينتيك» أصل جميع اللغات فى العالم أجمع.. وهو نفس ما ادعوه فى ثقب الهرم الأكبر تحت سمع وبصر جميع أجهزة الدولة.. وبمساعدة مشبوهة من قيادات الآثار فى هذا الوقت.
ورداً على هذه الأكاذيب الصهيونية.. فقد تصدى لهم علماء آثار عالميون بالتأكيد أن الجمل والعبارات محل الجدال إنما هى مشتقات أصيلة من اللغة الهيروغليفية ولكن بصيغة مختصرة.. وهذه الحقائق الدامغة لم تعجب العلماء الصهاينة برئاسة الفرنسى «بيرر طالييه» والألمانى «موريس»-أستاذ الآثار بجامعة بون.. فقاموا بعمل معرض يسمى «البروتو سينائية» فى المتحف المصرى بميدان التحرير فى مارس من هذا العام 2016.. ونظموا له احتفالية عالمية وقام «موريس» بقص الشريط فى حضور وزير الآثار السابق د. ممدوح الدماطى.. والوزير الحالى د.خالد عنانى.. ومن متابعتنا لهذا الحفل ومجموعة الصور المنشورة على موقع «اليوم السابع» نلاحظ –بكل أسف- أن وزيرى الآثار المصريين على يمين ويسار «موريس» وكأنهما ضيفان على أرضهما و«موريس» هو صاحب الدار!!.
ولم ينس منظمو الحفل كشف الدور الكبير الذى أداه د.محمد عبد المقصود-أحد أعمدة الآثار المصرية- خدمة لهم على تحقيق ما خططوا له ونفذوه ببراعة.. فكان المقابل المعنوى الذى لمسناه ظاهرياً غير خبايا ما لا نعلمه- هو أنهم زينوا معرضهم بلوحة خاصة يشكرون فيها «عبد المقصود»على مجهوداته الكبيرة فى إنجاح المعرض.. والسؤال الواجب ذكره هنا نقلاً عن أثريين تابعوا هذا الحدث المخجل هو الاستفسار عن الوضع الوظيفى والقانونى لـ «عبد المقصود» فى وزارة الآثار الآن رغم أنه خارج الخدمة منذ سنوات؟!.. والسؤال الثانى: من سمح لهذا الأثرى بالتقرب وإقامة علاقات مع هؤلاء الصهاينة ؟!.. أسئلة حائرة بحاجة لإجابة واضحة لا لبس فيها.. هذا على اعتبار أننا فعلاً نريد كشف الحقائق أمام الرأى العام كما نريد الحفاظ على هويتنا وحضارتنا وتاريخنا وآثارنا من عبث الأعداء.. مش كده ولا إيه؟!