العمل سلعة غير متجانسة تختلف من حيث الجهد المبذول والمهارة المقدمة من العامل، وبداهة إن عدد ساعات العمل لا يتساوى، وإن تساوى إلا أن إنتاجياتها تختلف حسب الجهد والمهارة المقدمين من العامل.
لذلك يلزم، ونحن بصدد تحديد قيمة العمل (أى المبادلة النقدية بكمية العمل)، أن ندخل فى حسابنا عدم التجانس فى العمل بين العاملين، وأن نقارن الأنواع المختلفة من العمل، وهو ما يؤكد أن المقارنة بين الأنواع المختلفة من العمل (أى تحويل نوع إلى نوع آخر) تتم بناءً على المقارنة بين قيمة هذه الأنواع من العمل فى السوق، أو بعبارة اخرى تطبق بناءً على مقارنة أجورها، إلا أن هذا التحليل السائد يعاب عليه أنه قد اعتمد على قيمة السوقية فقط، بطريقة غير مباشرة، وهو بصدد تحديد القيمة الحقيقية لسعة ما، وذلك لأن أساس القياس هنا كان العلاقة بين الأجور فى مقارنة أنواع العمل المختلفة، والعمل كما نعرف جميعاً هو الذى يحدد قيمة السلعة، إلا أن هذا يكون معيار قياسى معيوب وتحليل ناقص الجوانب.
لذا أردت أن أعرض اليوم الفرق بين “العمل المباشر والعمل غير المباشر” لكى نحدد قاعدة تناسب قيمة المبادلة الحقيقية مع كمية العمل النسبية المستخدمة فى أى نشاط اقتصادى، لكى نصل إلى القيمة الحقيقية للعمل وثمن السلعة الحقيقى. فالعمل المستخدم فى إنتاج أى سلعة، هو عمل مباشر وعمل غير مباشر، أى أن العمل المستخدم فى أى نشاط اقتصادى هو العمال والأدوات والآلات والمبانى المستخدمة فى الإنتاج، ويقصد بذلك العمل المباشر وغير المباشر معاً. “فالعمل المباشر” هو الذى ينفق مباشرة فى انتاج السلعة التى تقدر قيمتها. ويقصد “بالعمل غير المباشر” هو الذى ينفق لا فى انتاج هذه السلعة مباشرة بل فى انتاج أدوات الانتاج التى استخدمت فى انتاج هذه السلعة. ومن هنا يتضح أن العمل يشتمل على رأس المال أيضاً، إلى جانب الأيدى العاملة ، أى على العمل المستخدم فى انتاج راس المال.
ويرسخ لنا هذا المضمون الواسع لمعنى العمل كأساس للقيمة على عنصر العمل المباشر (الأيدى العاملة) وعنصر العمل الغير مباشر (رأس المال العامل) لأن هذا الأخير لا يعدو إلا أن يكون عملاً. وعلى ذلك لا يكون هناك داع لأن نجعل منه عاملاً مستقلاً ، بل يكفى أن ندخل رأس المال فى تفسير القيمة. وبأخذ رأس المال على أنه عمل غير مباشر ، فهو أيضاً يتكون من سلع غير متجانسة لا يمكن التعبير عنها كوحدة واحدة. ولكن لصعوبة التغلب على وصف رأس المال من الناحية الاقتصادية على انه وحدة حقيقية (وذلك لأن وحدات رأس المال غير متجانسة) لذلك كان علينا أن نحيل رأس المال وأن نرده إلى عنصر العمل وننتهى إلى أن رأس المال ليس إلا عملاً متراكماً (أى عملاً غير مباشر).
وبعد أن استقر الوضع الحسابى على أن قيمة مبادلة السلع تتوقف على كميات العمل المبذول فى انتاجها من الناحية النظرية ، نجد أن هذه القاعدة تتغير فى الواقع تغيراً جوهرياً، نتجه لاستخدام الآلات والتكنولوجيا وغيرها من رأس المال الثابت والمستمر فى الانتاج. فمن الملاحظ أن الأدوات والمبانى والآلات …الخ ، المستخدمة فى مختلف الأنشطة الاقتصادية ، تختلف من حيث مضمونها المادى (المادة الخام والمادة الوسيطة). وبالإضافة إلى ذلك فإن نسبة رأس المال الذى يخصص لتغطية تكاليف العمل(أى رأس المال المتغير) إلى نسبة رأس المال المستخدم فى شكل أدوات والآلات ومبانى وباقى عوامل الانتاج الأخرى (أى رأس المال الثابت) ليست واحدة فى جميع مراحل انتاج السلع المختلفة ، فهى تختلف باختلافها. ويؤدى اختلاف قدر استقرار واستمرارية رأس المال الثابت نظرياً برأس المال المتغير إلى ضرورة ادخال عوامل جديدة فى منهج التحليل، وهى عوامل تغير قيمة السلع ، وذلك إلى جانب كمية العمل اللازمة لإنتاج هذه السلع ، وذلك لارتفاع وانخفاض قيمة العمل (أى الأجور) وقد سبق أن أوضحنا ضرورة استبعاد هذا العامل من تحليل القيمة فى فرض المراحل الأولية ، وإن كان يجب ادخاله فى المراحل النهائية للإنتاج لكونه عنصر أساس فى تحديد قيمة السلع.
وعليه ننتهى إلى ضرورة حساب تكلفة كل العناصر المباشرة وغير المباشرة والثابتة والمتغير فى تحديد قيمة العمل وقيمة السلع، حتى نصل إلى تحديد واقعى للتكلفة الحقيقية للإنتاج وثمن عوامل الانتاج الواقعية ، حسب المتغيرات التى تطرق على الأسواق، لكى نحافظ دائما على الأجور والأثمان العدالة فى المجتمع .