محمد يوسف العزيزي يكتب… “رجل التوكتوك وجائزة نوبل !!”

ربما نصحو ذات صباح قريب علي خبر يجوب الآفاق يبشرنا بأن مؤسسة نوبل تدرس منح إحدى جوائزها هذا العام لرجل التوكتوك الشهير مستندة في حيثيات منح الجائزة علي أنه استطاع في 3 دقائق تشخيص الأزمة المصرية المستعصية علي الحل ووصف لها العلاج في 3 خطوات هم إصلاح التعليم والصحة والزراعة ، وأن الفيديو الذي صوره حقق أعلي نسب المشاهدات التي فاقت نسب مناظرة ترامب وكلينتون في صراع الانتخابات الأمريكية وفي زمن قياسي ، وأن ما قاله رجل التوكتوك أثر وبشكل غير مسبوق في اتجاهات الرأي العام في دولة يعيش علي أرضها 90 مليون نسمة ، وأن بعض كبار الكتاب والمثقفين والإعلاميين والصحفيين والدراويش تحدثوا ودبجوا المقالات والكلمات العصماء أكثر مما كتبوا وتحدثوا عن العلماء أحمد زويل ومصطفي السيد وفاروق الباز ، ورجل الفضاء جاجارين ونيل أرمسترونج أول بشري يضع قدمه علي سطح القمر ، وأنه – رجل التوكتوك – تحدث من القلب بمشاعر صادقة ومس شغاف قلوب من سمعوه وشاهدوه فبات من يملكون عقولا واعية في رؤوسهم كأنما يملكون عقولا من عجوة إذا جاعوا أكلوها !، وأنه نجح في شغل الرأي العام المصري وجعله يقول : هل ما جاء علي لسانه صحيح أم لا ؟ 
لن أندهش إذا قرأت هذا الخبر عن مؤسسة نوبل فقد منحت من قبل جائزتها للسلام إلي أوباما قبل أن يمضي علي رئاسته لأمريكا أكثر من شهر وبعد ذلك زرع أوباما الإرهاب في الشرق الأوسط وما زال يدعمه ويقويه ويمده بالسلاح والمال بشكل مباشر وغير مباشر ، ومنحتها أيضا لمناحم بيجين رئيس وزراء الكيان الصهيوني الغاصب ، ومنحتها لشيمون بيريز مهندس مجزرة قانا وقاتل الأطفال ، ومنحتها للبرادعي المحرض علي تدمير العراق ،ومنحتها لتوكل كرمان باعتبارها أيقونة تحويل اليمن السعيد إلي يمن تعيس يعاني ويلات حربا أهلية وشبح التقسيم الذي لا فكاك منه .. هؤلاء جميعا حصلوا للأسف علي جائزة نوبل للسلام ! 
المشكلة التي تواجهها مؤسسة نوبل هي اختيار الاسم الجديد للجائزة التي تمنحها لرجل التوكتوك حتى يتم اعتمادها سنويا ، وإن كنت أقترح أن يتم منح الجائزة مناصفة بين رجل التوكتوك والبرنامج الذي ظهر فيه تشجيعا لكل الناس علي البوح بمكنون صدورهم وقلوبهم وعقولهم ، وتشجيعا لصناع هذه البرامج وغيرها ممن يمارسون تضليل الرأي العام بمهارة عالية وقدرة فائقة علي سحق المهنية وفقدان المصداقية !
المدهش في حكاية رجل التوكتوك أنه تحول بصناعة نخبوية – تعرف ماذا تريد – إلي رجل المستحيل علي مسرح العالم الافتراضي وفضاء السوشيال ميديا ، وفجأة نسي أو تناسي المتابعون المنبهرون والسائرون نياما أن ما قاله تقوله وسائل الإعلام الرسمية والخاصة ،فلا أحد ينكر أن لدينا مشاكل في التعليم والصحة والغذاء الذي تنتجه الزراعة .. إذن ما هو الجديد في الأمر ؟ الجديد هو بدء حرب نفسية كحلقة من حلقات الجيل الخامس للحروب تشيع اليأس والإحباط تؤدي إلي فقدان الأمل في كل شيء فينكفئ الجميع علي أنفسهم ويفقدون القدرة علي الحركة وتنكسر إرادتهم فتكون الهزيمة الحقيقية التي تأخذ عقودا طويلة للتعافي منها ويتحقق قول الشاغر الإغريقي ( هزمناهم .. ليس حين غزوناهم .. ولكن حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم ) .. هذه هي الحرب الجديدة .. هزيمة إرادة الشعب .
لم ينتبه الكثيرون إلي الجملة التي لاكتها كل الألسن ( المهم اللي بيقوله صح ولا لأ ) لتأكيدها بعد أن أفتي رجل المستحيل بأن الحياة كانت بمبي وكل شيء كان متاح وموجود قبل السيسي .. يعني مشاكل التعليم والصحة والغذاء حدثت في عامين فقط ، ولأن الأمر كان ولابد أن يسير في هذا السياق لم يحاوره المذيع ولم يسأله سؤالا واحدا ! 
أين ذهب رجل التوتوك .. لماذا لا تستضيفه هذه القنوات أو يحاوره كاتب من جهابذة الكتاب الذين تعلموا منه الدرس ، لماذا لا نتوسع في دراسة شهادة ( خريج توكتوك ) ؟ هل اختفاؤه عن الأنظار يمهد لحكاية أخري يتم توظيفها في دائرة حقوق الإنسان والاختفاء القسري ؟ 
لن أبيع عقلي ، ومن يبيع عقله لا يستحقه . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *