فى الآونة الأخيرة أعلنت بريطانيا عن العديد من البيانات الإقتصادية القوية خاصة فى القطاع الصناعى الذى أظهر نموًا بشكل غير متوقع خلال شهر آب/أغسطس الماضى، هذا بالإضافة إلى البيانات الإيجابية لسوق العمل البريطانى، وإذا نظرنا إلى تلك البيانات بشكل عام فمن الممكن أن نجدها سببًا فى دفع مخاوف الكثيرين من تبعات مغادرة بريطانيا عن الإتحاد الأوروبى.
ولكن إذا نظرنا بشكل أوضح للصدمة التى غيرت تاريخ بريطانيا بإنفصالها عن الإتحاد الأوروبى بعد إستمراره داخله لعقود طوال نستطيع أن نحتمل أن البيانات المُعلنة من الممكن أن تكون وهمية ولا تُمثل ما تعانيه بريطانيا خاصة فى ظل انهيار الجنيه الاسترلينى والذى سجل أدنى مستوى فى 31 عام فى سوق تداول العملات الأمر الذى يظهر مدى معاناة الاقتصاد البريطانى والمخاوف التى تحيط به.
وعقب الاعلان عن نتائج الاستفتاء البريطانى نجد أن كثيرًا من المسؤولين الماليين والسياسيين تلقوا صدمة كبيرة حيث أنهم لم يتوقعوا هذه النتائج، ولهذا نجد حتى الآن أن القرارات الصادرة بشأن ألية تنفيذ قرار إنفصال البلاد متناقضة.
فى الواقع حتى الآن لم تتخذ بريطانيا أية خطوات حقيقية لإنفصالها عن الإتحاد، غير التصريحات الأخيرة لرئيسة الوزراء البريطانية “تيريزا ماى” التى أكدت على عدم تراجع بريطانيا عن قرارها بشأن الإنفصال عن الإتحاد.
ومن جانب آخر قال وزير الخارجية البريطانى “بوريس جونسون” بأن بريطانيا ستبقى حليفًا قوى لأوروبا ، وأكد على أن التصويت بخروج البلاد من الإتحاد لا يعنى إبقاء بريطانيا بعيدة عن أوروبا.
إن البيانات الإقتصادية القوية التى يتم إعلانها حتى الآن تعتبر عادية ولم تؤخذ فى الإعتبار، حيث أن بريطانيا حتى الآن لم تتخذ أية قرارات فعلية لخروجها من الإتحاد مؤثرة على حركة نشاطها الإقتصادى ومازالت تؤجل الخطوات الرسمية لإنفصالها، كل ما تفعله فقط هى مجرد خروج تصريحات عديدة من عدة جهات مصممة على الإنفصال مع الإحتفاظ بمميزات عضوية الإتحاد الأوروبى.
ولكن فى المقابل نجد أن الإتحاد الأوروبى لن يوافق على إحتفاظ بريطانيا بمميزات عضوية الإتحاد والتى تشمل دخول أسواقها وخاصة أسواقها المالية والتحرك فيها بحرية دون مقابل، لأن فى حالة سماح الإتحاد الأوروبى بترك تلك الميزة لبريطانيا فهذا يعنى تفكك وإنهيار الإتحاد حيث أن كل دولة فى الإتحاد سوف تطالب بالإنفصال مع الإحتفاظ بمميزات العضوية مثل بريطانيا وهذا أمر غير واقعى.
إن نتائج انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى لا تزال لم تدفع ثمنها بريطانيا حتى الآن، فبمجرد أن تتخذ بريطانيا الخطوات الرسمية لهذا القرار فسوف يكون هذا بداية الأزمة الحقيقية للبلاد وعلى رأسها إنهيار سوق لندن المالى وهو أكبر سوق مالى فى العالم والذى يمثل أغلب الناتج المحلى الإجمالى لبريطانى.
لن يقف الأمر فقط على سوق لندن المالى بل ستكون تبعات القرار مأساوية، حيث ستنهار المملكة المتحدة بإنفصال إسكتلندا وإحتمالية إنفصال إيرلندا الشمالية بالإضافة إلى جبل طارق فى حالة قطع علاقته بأسبانيا.
ونعتقد أن أمام بريطانيا خيارين فقط لاغير إما الإنفصال المأساوى والرسمى ونهاية المملكة المتحدة وإنهيار إقتصادها، وإما الإنفصال يكون شكلى فقط بمعنى أن يظل الوضع على ما هو عليه.
ويرى العديد من الخبراء الإقتصادين أن بريطانيا ستبحث عن حل للخروج من هذا المأزق من خلال إجراء إستفتاء أخر فى شكل إنتخابات عامة على الخيارات المتاحة لبريطانيا.
فى الحقيقة منذ أن أجُرى الإستفتاء وأعُلنت نتائجه ونرى أن الحكومة البريطانية حتى الآن تصرف النظر عن تلك النتائج حيث أنها تعرف أن حقيقة وضع الإنفصال سيكون كارثى بلا منازع فى حالة تنفيذه لأنه سيؤثر على بشكل مباشر على سوق لندن المالى بالإضافة إلى إنهيار المملكة المتحدة وإنفصالها، ويرى البعض الآخر أن بريطاينا سوف تماطل ولن تتخذ أية قرارات حتى نهاية العام الحالى ورُبما حتى عام 2019.
ومن المحتمل أن يكون الإعتقاد الأخير هو الذى ستتجه إليه بريطانيا حيث أنها لن تستطيع إلغاء نتائج الإستفتاء ولن تستطيع الإنفصال، وسوف تترك الأمور معلقة هكذا.