لا تتغير السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط بتغيّر ساكن البيت الأبيض. فهناك استراتيجية ثابتة تحكمها وترتبط بجماعات الضغط، ومنها «اللوبي الصهيوني» الذي يعرف كيف يدير مصالحه في شكل أذكى كثيراً من «اللوبي العربي» الذي لا يؤثر في آليات توجيه السياسة الأميركية.
ولهذا، تحرص الدعاية الصهيونية على تصوير أي انتخابات أميركية أنها شأن داخلي وبالتالي يرسخ في ذهنية غير الأميركي أن الناخب الأميركي لا يهمه غير مصلحته، خصوصاً أن كثيرين من الأميركيين لا تتعدى حدود معرفتهم أبعد من شط المحيطين الهادي شرقاً والأطلسي غرباً. وبالتالي، تأتي العلاقات الدولية وفق هذا التصوّر في المقام الثاني بعد السياسة الداخلية.
ومن هنا، لم يكن فوز الملياردير دونالد ترامب مفاجأة، بل هو أمر طبيعي في ظل فشل الديموقراطيين على المستويين الداخلي والخارجي. وتؤكد نتيجة الانتخابات الأميركية أن الذي انتخب ترامب هو ما يسمى «أميركا العميقة»، وليس النخبة السياسية التي كانت تروج إعلامياً لفوز هيلاري كلينتون، ما يؤكد أن الآلة الصهيونية التي تدير الإعلام كانت تتحرك في الخفاء لمصلحة ترامب الذي يسهل التحكم فيه باعتباره صاحب الرصيد السياسي الأضعف مقارنة بكلينتون. ومع ذلك، لا نتوقع تغييراً دراماتيكياً، سيحدثه فوز الجمهوريين. وما يعنينا في هذا الصدد، كيفية التعاطي مع الرئيس الأميركي الجديد، مع الأخذ في الاعتبار أن أهداف السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، مضمونها واحد، خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا العربية، ومن ثم يصبح منطقياً ألا نجد «الهموم العربية» على ضمن أولويات أي رئيس أميركي إلا إذا تقاطعت مع المصالح الأميركية. ومن هنا، لن يختلف الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن سابقيه في التعاطي مع الشأن العربي. لكن تأتي نقطة الاختلاف – في تقديري – بين ترامب ومن سبقوه في البيت الأبيض مما يمكن تسميته مرارة الموقف وطبيعة ظروف المنطقة العربية حالياً. أو دعونا نقول إن خريطة الشرق الأوسط أصبحت تتسم بالسخونة والتوتر بعد ما سُمي ثورات الربيع العربي التي تمخضت عن انهيار نظم تقليدية وقيام نظم جديدة ما زال بعضها يتلمس الخطى والبعض الآخر يعاني من عدم الاستقرار، فيما حافظ البعض الثالث على توازنه في ظل الأنواء والتحديات العاصفة. ومن ثم نتساءل: هل نحن أمام اتفاقاً مشابهاً لسايكس – بيكو، لكن بشروط وأطراف جديدة؟ أتصور أن هذا ربما كان أحد أسباب هزيمة هيلاري كلينتون لأنها أضحت «ورقة محروقة» في المجتمع الأميركي، وقد تصادف أن هذا جاء متفقاً مع رؤية العرب لسياسة إدارة باراك أوباما الفاشلة في منطقتنا. ويمكن القول أن رئيس الولايات المتحدة الجديد سيجد أمامه ملفات مكتظة من منطقة الشرق الأوسط، يتصدرها الموقف في سورية وليبيا والعراق واليمن وفلسطين. كما أنه لا يمكن أن يتغاضى عن الحرب ضد الإرهاب وخطط أطراف إقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل، والقصور في الاقتصاد الإقليمي والدولي بسبب الانخفاض الحاد في سعر النفط وتحديات تنامي العملاق الصيني اقتصادياً. في ما يتعلق بالمصالح العربية، في اعتقادي أنه من الأفضل أن نساهم بدور ما في توجيه هذه الملفات وصياغنها قبل عرضها على الرئيس المنتخب قبل انتقاله رسمياً إلى البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) المقبل. وهذا يتطلب تحركاً عربياً مشتركاً يتعاطى بواقعية مع هذه الملفات، ويخلق مساحة من الحوار مع واشنطن في اتجاه الضغط لإحداث تغيير نسبي في التفهم الأميركي للقضايا العربية، حتى ولو لم يحدث تغيير في إطار الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط .