استضافنى أحد قيادات الآثار فى مكتبه بوسط البلد..تحدثنا كثيراً عن حالة الفساد التى كانت ومازالت عنواناً صارخاً لهذه الوزارة لأسباب يعلمها أصغر أثرى داخل مصر وخارجها..من ضمن ما كشفه لى «نهب عدد كبير من القطع الأثرية فى 1400 موقع أثرى» فى جميع المحافظات..ثم فاجأنى بخبر آخر سقط على أم رأسى كـ«الصاعقة» عندما كشف لى عن الثمن الذى كانت مافيا الآثار تدفعه مقابل «المومياء» الواحدة..لحظتها رجوته أن يعيد على مسامعى هذا الرقم..فوجدته يؤكد لى: «نعم يا سيدى كانت هذه المافيا تدفع فى المومياء الواحدة ما يزيد على المليون جنيه..ومن كثرة ما تم بيعه من المومياوات فى الفترات الماضية أصبحت لا تساوى شيئاً»!!..يا خبر أسود ومنيل بستين نيلة يا أولا الـ«…………» تخيلوا معى أعزائى القراء أن هؤلاء اللصوص تمكنوا من سرقة وتهريب أكثر من 6000 مومياء –بحسب خبير مومياوات معروف -على مدار الأربعة عقود الماضية..وبحسب مصادر ثقاة فإن معظم هذه المومياوات خرج من منطقة دهشور تحت سمع وبصر الجميع !!..وإلا فليفيدنا أى مسئول كيف هُربت هذه المومياوات خارج مصر..ومن الذى هربها..ولصالح من ترتكب هذه الجرائم بحق أجدادنا؟!.
المهم أننى أنهيت جلستى مع محدثى وذهبت إلى عملى وأنا أضرب كفاً بكف..لا والله وددت أن أخبط رأسى فى الحائط حتى أشعر بأن ما سمعته كان صحيحاً !!..ولحظتها سألت عدداً من مصادرى فى هذه «العزبة اللى مالهاش صاحب» عما بدر من هذا الأثرى؟!..فأكدوا لى صحة ما قاله وأكثر..وهنا سألت نفسى عدة أسئلة تمنيت لو يجيب عنها د.حواس وكل مسئولى الآثار الذين أتوا بعده وحتى الآن..كيف تركتم اللصوص ينقبون وينهبون هذه المواقع بشكل عام ومنطقة دهشور بشكل خاص منذ عام 1998 وحتى عام 2014؟!..ألم تكن أنت يا د.حواس مديراً عاماً لآثار الجيزة وهذه المنطقة ضمن نفوذك قبل أن تصبح أميناً عاماً لمجلس الآثار عام 2002 ثم وزيراً للآثار عام ٢٠١١.؟!.
ولمن لا يعى قيمة منطقة دهشور التاريخية أوضح له أنها ضمن جبانة ممفيس الأثرية المسجلة على قائمة التراث العالمى الرئيسية باليونسكو.. وهذا الأمر له ما له وعليه ما عليه عالمياً.. هذا إلى جانب أن تلك المنطقة بها أول هرم كامل فى تاريخ البشرية وهو خاص بالملك سنفرو والد الملك خوفو-صاحب أهم وأعظم إعجاز معمارى كان وما زال يحير علماء العالم الذين اختلفت نظرياتهم حول طريقة بناء الأهرامات..أى أن «دهشور» ذات أهمية خاصة جداً لما تحويه من تراث إنسانى يزيد عمره على الـ4500 عاما..وهذا الكلام يجرنا جراً إلى المؤامرة الصهيو-عالمية التى لم تتوقف يوماً ضد الهرم الأكبر بواسطة مارك لينر-عضو منظمة كايسى الصهيونية-من جانب..والجمعية الجغرافية الأمريكية وعملائها المصريين من الجانب الآخر..وما حدث عام 2002 داخل هرم خوفو لهو خير دليل على ذلك..من هنا كان اهتمام الصهاينة بـ«دهشور» التى شهدت البدايات الأولى للحضارة الإنسانية قاطبة..نضف إلى ما سبق أن «دهشور» تزخر أيضاً بعدة أهرامات لملوك وملكات الأسرة الثانية عشرة «الدولة الوسطى».. وأهمهم هرم سنوسرت الثالث وزوجاته وأمنمحات الثالث.. كما تضم تلك المنطقة مقابر شهيرة لكبار رجالات الدولة فى عصر الأسرة الرابعة..أى فى عهد الملك سنفرو من الدولة القديمة..وأهرامات أخرى مثل هرم أمينى كيماو وسوبك نفرو..وهرم آخر غير معروف اسم صاحبه.
علماء الآثار المصريون والأجانب تحدثوا كثيراً عن تفاصيل مهمة للسرقات التى تمت فى هذه المنطقة عندما كشفوا اللثام عن حجم وعدد الحفائر غير الشرعية التى تم رصدها من المتابعين للشأن الأثرى..مؤكدين أن «دهشور» تمثل فترة غامضة فى التاريخ المصرى..خصوصاً فى عصر الأسرة 13 الفرعونية..والتى تندر فيها المعلومات لعدم إجراء حفائر رسمية منظمة..الأمر الذى ساعد معدومى الضمير والوطنية والشرف والأمانة من ارتكاب جرائمهم بالتنقيب بدلاً من وزارة الآثار!!..وعلى فرض أننا نحسن الظن فى مسئولى الآثار بعيداً عن أى اتهامات تنال منهم..فهل لنا أن نطبق عليهم المثل الشعبى القائل: «بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم ب 100 سنة»؟!.
وعندما سألت أحد علمائنا الأفاضل عن «الداتا» العلمية لأهرامات دهشور مثلها فى ذلك مثل أهرامات الجيزة..أفادنى بأن ما ذكر عنها فى كتب التاريخ والآثار مقتضب جداً بسبب فقر المعلومات الشديد..خصوصاً داخل المرجع الأول للآثار المصرية..والمعروف لدى جميع الأثريين فى العالم باسم PM- الجزء الثالث بعد التعديلات التى أجراها العالم البريطانى جيروم مالك – اختصاراً لاسم العالمين الأثريين PORTER – MOSS وال PM هو اختصار للأسمين – يعنى أول حرف من اسميهما hrs.
مصدر أثرى آخر كان مسئولاً عن آثار منطقة دهشور..أكد لى أنها أحد المواقع المنهوبةالمنكوبة التى تم ويتم نهبها ليل نهار.. مشيراً إلى أنها على رأس المناطق المستهدفة من مافيا الحفر والتنقيب مع عدد آخر من المحافظات مثل : بنى سويف والفيوم والمنيا والوادى الجديد وشمال سيناء.
ما سبق كان بالنسبة لآثارنا التى تسرق وتنهب من باطن الأرض ثم تهرب إلى الخارج..فماذا عن سرقات الآثار التى تم الكشف عنها ووضعت فى المخازن المؤمنة ؟!..وهل يمكن لوزارة الآثار الموقرة أن تكشف لنا عن سرقة وتهريب العديد من القطع المؤمنة داخل المتاحف ؟!..ومن سخرية القدر أن ما يتم الكشف عنه من وقائع يكون بالصدفة البحتة !!.. لكن على رأى المثل… «وما خفى كان هو الأعظم»..وها نروح بعيد ليه؟!..لقد تداولت بعض المواقع مؤخراً قضية سرقة وتزييف ما يزيد على الـ 500 قطعة أثرية من متحف الحضارة بالقسم الأول فقط من ذات المتحف..وكل من تابع صفحة «الجبهة الشعبية للدفاع عن الآثار المصرية» لاحظ مثلنا دفاع نائبة مدير المتحف «س. ع» فى تعليقها على الخبر..كاشفة عن أن النيابة تحقق فى هذه الجريمة..وأشارت إلى أن «من ستثبت عليه التهمة سرقة أو التزييف فسيتم ضربه على قدميه»!!.
العجيب فى هذه «المصيبة» أن د.خالد العنانى كان مديراً لمتحف الحضارة قبل أن يصبح وزيراً للآثار !!..وهذا الأمر يقودنا إلى ما كتبناه فى مقال منذ 3 أسابيع تقريباً عن وزير سابق كان يوماً ما مديراً للمتحف المصرى بميدان التحرير عندما سُرق منه 38 قطعة ذهبية قيمتها التأمينية 150 مليون دولار!!..الكلام ده معناه أن سرقات المخازن والمتاحف مسلسل مستمر طالما أمن اللص سوء العقاب!!..والله عندهم ألف حق وحق هؤلاء اللصوص أن يسرقوا منا أعز ما نملك..ولم لا وهم يعملون فى وزارة تحوم حول معظم قياداتها الشبهات!!.
أعرف جيداً أن هذا الكلام سيُغضب قيادات الآثار غضباً شديداً..ونصيحتى لهم أن يحكموا عقولهم فيما أنشره.. ويكشفوا لنا عن تفاصيل هذه الجراثم أمام الرأى العام إن كانوا فعلاً أبرياء ولحظتها سألوم نفسى وأبرئ ساحتهم بنفس القلم الذى ينتقدهم..ومن هنا إلى أن يرد علينا أى من هؤلاء أريد أن أتحقق من وزير الآثار نفسه عن مدى صحة واقعة تهريب تمثال مزدوج إلى أوروبا.. والتى أبلغت عنه مفتشة آثار مصرية أثناء تواجدها بالخارج مصادفة.. وقالت إن التمثال كان معروضاً فى إحدى صالات المزادات العالمية بمبلغ 30 مليون دولار!!..وبالتحقيق فى القضية ثبت أن من سرق التمثال هو أمين عهدة أحد المخازن الأثرية..وللأسف الشديد علمنا بعد ذلك أن مصير هذا اللص تعلق بقرار أصدره د.مصطفى أمين-أمين مجلس الآثار-باستبعاده عن العمل الأثرى إلى عمل إدارى مع احتفاظه براتبه !!..طبعاً هذا «التهريج» فى توقيع العقاب على مجرم خائن لحضارة وتراث بلده..سيطلق العنان لضعاف النفوس أن يرتكبوا الجرم نفسه وربما يرتكبون جرماً أكبر مثل «الغووول» الذى سرق مقبرة كاملة ولم يحاسبه أحد حتى الآن.. لذا نطالب الرئيس بالتدخل السريع لفتح هذا الملف «المنسى» من جميع أجهزة الدولة رغم خطورته.. حفاظاً على حضارة وتاريخ أجدادنا بعد أن احتلت تجارة الآثار المرتبة الأولى بجدارة..متفوقة بذلك على تجارة المخدرات والسلاح !!..إفعلها سيدى الرئيس وسيسجلها لك التاريخ..فهدا الملف أعظم قدراً وأعلى شأناً من كل المشاريع القومية التى تمت والتى ستتم!!.