نهى البلك تكتب… لو أنزل القرآن على صفحة الجبل !

  بلى شهدنا… 
ماذا لو استيقظ الناس يومًا ليجدوا لوحًا، أو صفحة من الجبال، مكتوبًا عليها كلام يدعوهم للإيمان بالخالق… لو استيقظوا ليجدوا كتاب الله قد أنزل من السماء رأسًا على الأرض، بآياته وأوامره ونواهيه وقصة الخلق…. يدعوهم لعبادته ويعرفهم بذاته العلية ويرغبهم ويرهبهم بالجنة والنار، والدار الآخرة؟! 
هل كان لابد من إرسال رسل من البشر؟.. ألم يكن ممكنًا إنزال المعجزة الربانية بغير وسيط، ليؤمن بها من شاء ويكفر من شاء، كما هو الأمر مع الرسالات كلها التي بلغنا بها الرسل؟
لماذا لم يكن الرسول ملكًا، يهبط بالكتاب ليضعه بين أيدي البشر، كل يقرؤه بفهمه ويعبد بفهمه، ويتصور عن الخالق بفهمه، ثم يهدي الله من يشاء… 
 ماذا لو حدث؟ كان الناس سينقسمون بين مؤمن مصدق، وكافر مكذب، بين معظم للمعجزة وساخر منها.. بين مهتم مهموم بالحساب، ومستخف لامبال.. تمامًا كما حدث حين استقبلوا الرسالات من بشر أوحي إليهم، وما معهم من برهان إلا ما شاء الله.
بل ولماذا، إذ أرسل الرسول من البشر، لم ينزل عليه الكتاب مرة واحدة، ليعلمه الناس ويتركه بين أيديهم ثم يقبضه الله؟ لماذا طالت أزمنة البعثة والوحي مع الأنبياء والرسل؟..
الرسول نفسه هو جزء من الرسالة، من المعجزة، اتباعه جزء من مراد الله عز وجل من عباده.. 
” وما يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إن هو إلا وحي يوحى”…  ” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ “… ” وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا” …. ” فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ”….. وغيرها من الآيات، هذا يخبرنا أن الرسول جزء من الرسالة.. من الدين… من الهدي الذي أراد الله عز وجل لنا اتباعه.
إذا كان الأمر كذلك، فهل نتصور أن يضيع إرث الرسول من الهدي بعد انتهاء حياته، فيبقى الدين منتقصًا أو غامضًا؟! 
” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”، فإذا كان الرسول جزءًا من الذكر، فبديهي أن يكون حفظه مكفولًا من رب العزة كما تكفل بحفظ كتابه الكريم…
فهل حقًا سيكون من التراجع اتباع الرسول، وصحابته الذين حملوا هديه ونقلوه لنا، كونهم من عصر يبعد عنا مئات القرون؟
قد يصح هذا السؤال إذا كنا نتبع أشخاصهم، اختياراتهم وأهواءهم، وتصوراتهم عن الخالق وعن كونه… لكن الحقيقة أننا نتبع ( ما حملوه إلينا ) من رسالة الخالق… نتبع أوامر الله ونواهيه التي أودعها كتابه ورسوله، وعن رسوله حملها صحابته.
الذين يمارون في أهمية اتباع الهدي النبوي يخلطون بين المطلق والنسبي، يقيسون الإلهي بالبشري، في قياس سقيم إذا أعمل المنطق البسيط والبديهيات!  
ذلك أنهم يفترضون ارتباط الرسالة الإلهية بزمن، وعوامل تقدم وتأخر واختلاف ظروف وبشر… وهذا لا يمكن بحال إعماله مع الخالق العظيم ورسالته.. رسالته بما فيها الرسول وهديه…
هذا من ناحية يعني حتمية حفظ الهدي النبوي، وصلاحيته بل ضرورته لكل زمان، ويعني أيضًا حتمية الالتزام بالطريق والطريقة التي أراد الله عز وجل أن نعرفه بها، ونعبده بها..
ليس صحيحًا أن لكل منا أن يعبد الله بطريقته، وإلا فلم يكن للرسل ضرورة.. على الرسول البلاغ وعلى الله الحساب.. ومن بعد الرسول عليه الصلاة والسلام فعلى أهل العلم البلاغ والتبيين، حتى نعلم مراد الله حقًا منا وليس بأوهام وأهواء وتضليل يباعد بين العبد وطريق ربه من حيث أراد القرب..
كان من اليسير على الله أن يجعل بين أيدينا كتابه دون وسيط.. لكن الوسيط جزء من الهدي، الرسول جزء من الرسالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *