عمار يا مصر
كما أنه ليس كل الظن إثم .. أري – وربما أكون علي خطأ – أنه ليس كل الصلح خير ، وقبل أن تصيبك الدهشة من العنوان أصابتني وأنا أقرأ خبر يقول ( قال اللواء مدحت الدولجي الشهير بـ” واقعة التجمع الخامس”، والذي تعرض للاعتداء على يد مجموعة من البلطجية على رأسهم رجل الأعمال ( …… ) ، إنه جار التصالح مع جميع المتهمين ، وأكد الدولجي أنه لم يأخذ أي تعويض من المتهمين ولكن الغرض من التصالح الرحمة بالأهالي، وذلك بعد قيامهم بالتجمهر أمام الفيلا الخاصة بي، وطلبهم التصالح من أجل مستقبل ذويهم ، و أكد صلاح الشربيني دفاع المجني عليه، إن عملية التصالح بالفعل تتم بعد طلب من الأهالي وتدخل الكثير من الشخصيات العامة لحل الأزمة، والضغوط التي مرت بها الأسرة منذ الواقعة مضيفًا أن المتهمين لم يعلنوا بأمر الإحالة حتى الآن ويأتي ذلك في مصلحتهم للتصالح )
كنت قد كتبت فور حدوث الواقعة مقالا بعنوان ( قانون القوة خطر يهدد المجتمع ! ) يمكن الرجوع إليه .. قلت فيه : الواقعة مرعبة وتلقي بظلال كثيفة داكنة حول مستقبل دولة القانون ، وحول ما نتشدق به كل ساعة عن قوة القانون الذي يفرض نفسه علي ( التخين ) في هذا البلد ، الواقعة تثير مخاوف البسطاء في هذا البلد ، وتخصم من رصيد طاقتهم الإيجابية التي تتشبث بقوة القانون وقدرته علي حمايتهم من بلطجة قانون القوة واقتناء البودي جاردات والسلاح ، وطرحت بعض الأسئلة التي لم ولن يجب عليها أحد ، والتي ستظل بلا أجوبة طالما يحدث كما حدث من صلح نقول عنه دائما أنه خير وهو ليس كذلك ، وختمت المقال بقولي أن الفارق كبير وشاسع بين قوة القانون، وقانون القوة .. فقوة القانون تعني أن سيادة القانون سوف تحقق العدالة المطلوبة..ومن ثم يقوي الانتماء الذي يدفع باتجاه بناء الدولة العصرية الحديثة ويحافظ علي الطاقة الإيجابية لظهير الدولة من البسطاء .. بينما قانون القوة يسحق الضعفاء ويطمس العدالة ويخلق حالة من فقدان الثقة في الدولة ويهدد أمنها وسلامها الاجتماعي.. وعلي الدولة إذا أرادت أن تتجنب خطر تنامي قانون القوة فعليها أن تطبق القانون بحذافيره علي الجميع في هذا البلد دون تفرقة أو حسابات !
صحيح الصلح خير لكن عندما تكون مبررات هذا الصلح تدعو إلي القلق ، وإلي وجود شروخ وتصدعات في جدار المجتمع تزيد المخاوف من تنامي قانون القوة وتراجع قوة القانون فإن هذا الصلح لا يقدم الخير للمجتمع لكنه يكرس ما نعاني منه ويلقي بظلال علي مفهوم العدالة في هذا الوطن !
ما قاله اللواء الدولجي يؤكد أن قانون القوة انتصر وسحق قوة القانون .. وإلا فليفسر لنا معني ( التصالح رحمة بالأهالي ) أي أهالي .. أهالي الجاني أم المجني عليه .. ومن هذا الذي بيده أن يرحم الأهالي أو لا يرحمهم ؟ ولماذا – حسب قوله – تجمهروا أمام فيلته طلبا للتصالح خوفا علي ذويهم ؟ ومن من يخافون علي ذويهم ؟
الأخطر والأهم ما قاله محامي اللواء الدولجي عن تدخل الكثير من الشخصيات العامة والمهمة لحل الأزمة ، وما قاله عن ضغوط تعرضت لها أسرة المجني عليه منذ الواقعة حتى توقيع الصلح ؟ ولماذا أصر اللواء الدولجي علي تأكيد أنه لم يأخذ أي تعويض عن الأضرار التي لحقت به وبأسرته وبمحتويات فيلته ؟
إذا كان الصلح ينهي الخصومة بين المتخاصمين أو الجاني والمجني عليه ، فأين حق المجتمع الذي روعته البلطجة ؟ وإذا كنا نتحدث عن دولة قانون وما زالت الشخصيات العامة تمارس التأثير والضغط والتدخل لحساب البلطجة وحساب قانون القوة .. فهل ننتظر خيرا من الصلح ؟
أنا لا أعرف اللواء المجني عليه ولا صلة أو علاقة لي بالجاني رجل الأعمال ، ولا أدعو إلي تسخين طرف علي آخر فهم أحرار فيما يفعلون .. لكن أظن – وليس كل الظن إثم – أننا لا نريد بالفعل دولة قانون ، ولازم نفضها سيرة !