تعانى جماعة الإخوان من مشكلات وانقسامات داخلية، لكن الأهم أن هناك ستة متغيرات تتفاعل معا لترسم سيناريوهات مستقبل الجماعة وهى:
أولاً: الجمود الفكرى والتنظيمى الذى أصاب الجماعة، وحال بينها وبين التجديد والتطور، وأعتقد أن هذه الجمود هو السمة الأهم من وجهة نظرى فى تاريخ الجماعة منذ تأسيسها الثانى فى مطلع السبعينيات من القرن الماضى، فالجماعة لم تمارس السياسة بالمعنى الحقيقى، وإنما اختزلتها فى خوض الانتخابات البرلمانية وانتخابات النقابات المهنية واتحادات الطلاب فى الجامعات، بينما ابتعدت عن النقابات العمالية والمجالس البلدية.
وتمسكت الجماعة بأفكار وتوجهات ونصائح مؤسسها حسن البنا «1906-1949» فى ظل واقع متغير، ما حقَّق عزلة فكرية وشعورية لكوادر الجماعة، وعناصرها ساعدت فى وحدتها وتماسكها، عبر إذعان الأعضاء للقيادة التى لها حق السمع والطاعة، ولا شك فى أن عمومية أفكار حسن البنا وغموضها ومثاليتها وادعائها تمثيل الإسلام، فضلاً عن ادعاء المظلومية وأدبيات المحنة، ساعدت على تماسك الجماعة وقوة تنظيمها فى وقت عانت القوى والأحزاب المدنية فى عصر مبارك صراعات فكرية وانقسامات تنظيمية.
وأعتقد أن نجاح الجماعة فى الانتشار والتجنيد ودخول البرلمان منذ الثمانينيات دعَّم مسلّمة «الإخوان» الشهيرة: «التنظيم قبل التفكير»، فأصبحت وحدة الجماعة وقوة التنظيم أولوية شبه مقدسة تفوق ممارسة الفكر والتجديد، والدعوة والعمل بين الناس، من هنا لم تطرح مبادرات فكرية أو سياسية تخرج عن أفكار حسن البنا، التى أنتجها ومارسها فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، ولم تتبنّ قيادة الجماعة أفكاراً جديدة، بل اعتبرت أى تجديد فكرى أو تنظيمى نوعاً من الخروج عن وحدة الجماعة ومحاولة لشق الصفوف.
ثانياً: الصراع الداخلى فى صفوف جماعة الإخوان، سواء بين عناصر داخل مصر «عناصر الداخل»، أو عناصر الخارج وهى العناصر الهاربة التى تعيش فى قطر وتركيا ودول أخرى، وأصبحت تهيمن وتدير الآلة الإعلامية والدعائية للإخوان، من جانب آخر هناك صراع عام داخل كل عناصر التنظيم بين الحمائم والصقور، حيث يدعو الصقور للتوسع فى ممارسة العنف والإرهاب.
ثالثاً: موقف غالبية المصريين الذى تغير من التعاطف مع «الإخوان» فى عصر مبارك إلى العداء والرفض، وهو ما يمكن وصفه بزوال الحاضنة الشعبية لـ«الإخوان»، على رغم محاولة خطابهم توظيف أفكار المظلومية، و«المؤامرة التاريخية» ضدهم.
رابعا: مدى نجاح مشروعات السيسى التنموية فى الانطلاق بمصر للأمام، وعلاج مشكلات الفقر والبطالة والجهل، وتجديد الخطاب الدينى، بحيث يتم القضاء على البيئات الاجتماعية والفكرية الحاضنة لفكر الإخوان.
من جهة أخرى، فإن رؤية النظام الحالى لجدوى وجود جماعة «الإخوان» فى المجتمع والنظام السياسى ستؤثر كثيرا فى مستقبل جماعة الإخوان، وهنا يمكن القول إن: «اجتثاث الإخوان» هو العنصر الغالب على هذه الرؤية، صحيح أن هناك إشارات إلى إمكانية المصالحة والتعايش، لكنها غير واضحة ولا تعكسها السياسات الفعلية تجاه «الإخوان»، فالملاحقات الأمنية مستمرة، ومحاكمات قياداتهم متواصلة، ولكن من دون تطبيق أحكام الإعدام التى صدرت بحق المرشد وبعض قيادات الجماعة.
خامساً: مدى توافر واستمرار الدعم الخارجى والإقليمى لجماعة «الإخوان»، فلا شك فى أن هناك دعماً سياسياً ومعنوياً وإعلامياً ومالياً للجماعة من خارج مصر، يأتى فى معظمه من قطر وتركيا، اللتان توفران ملاذاً آمناً لعناصر الجماعة، كما يقدم التنظيم الدولى لـ«الإخوان» دعماً مالياً، علاوة على تبرعات من أشخاص متعاطفين عبر العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن الجماعة نجحت فى البقاء، رغم الملاحقات الأمنية فى ظل الحكم الناصرى، بفضل وجود دعم خارجى قدمته بعض دول الخليج، التى وفرت ملاذاً آمناً لعناصر الجماعة، ومكنتهم من مراكمة ثروات، ذهب قسم منها لدعم «الإخوان»، عندما سمح لهم الرئيس أنور السادات باستئناف نشاطهم فى منتصف السبعينيات.
سادساً: نتائج التفاعلات العربية والدولية المعقدة، التى قد تعيد تشكيل النظامين العربى والإقليمى فى ضوء الحرب على الإرهاب ومواجهة «داعش»، ورؤية أطراف عربية ودولية مختلفة بشأن جماعة «الإخوان المسلمين» وهل لها دور فى المستقبل، وما حدود وشكل هذا الدور، فى إطار الترتيبات الإقليمية الجديدة، ومستقبل تيار الإسلام السياسى، الذى ارتبط بنشأة وتطور «الإخوان»، والأدوار التى قام بها التنظيم الدولى للجماعة.
تفاعل العناصر السابقة سيشكل مستقبل الجماعة، الذى لن يكون امتداداً خطياً للحضور الكبير والمؤثر للجماعة فى المجتمع والسياسة فى مصر، لأن التاريخ لا يكرر نفسه، وهناك متغيرات كثيرة فى مصر والمنطقة العربية والعالم لن تحافظ على بقاء واستمرار الجماعة، كما كانت، أو حتى بصورة قريبة مما كانت عليه.
وهنا لن تُجدى فرضية أن وجود واستمرار «الإخوان» كجماعة معتدلة مفيد فى مواجهة تطرف بعض جماعات الإسلام السياسى مثل «القاعدة» و«داعش»، لأن «الإخوان» لم يقدموا ما يثبت ذلك قبل وأثناء وصولهم إلى الحكم فى مصر، فلم ينحازوا إلى قيم وآليات الديمقراطية، وإنما على العكس انفردوا بالحكم، وتحالفوا مع تنظيمات تكفيرية إرهابية فى سيناء.
القصد أن الشكل التقليدى والممتد للجماعة، الذى أسسه حسن البنا عام 1928 والثقافة المصاحبة له «السمع والطاعة»، لن يستمر، ولن تستمر الجماعة ككيان تنظيمى متماسك أو موحد، وقد تتلاشى أو يخرج عنها جماعات جديدة تحت مسميات مختلفة.