الحمد لله رب البريات، القائل في محكم الآيات: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَات)، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ أعظم الكائنات، القائلِ عليه أفضل الصلوات: أرواح الشهداء في حواصل طيرٍ خُضرٍ تسرح في الجنات، وبعد/ فقد فُجِعْنَا وفُجِعَت مصرُ قاطبةً بهذا المُصابِ الجلل الذي هزَّ أرجاءها، وأبكى أهلها، حُزنًا وكمدًا على فقدِ جَمعٍ من خيرةِ شبابها ورجالها، قدموا أنفسهم وأرواحهم رخيصةً دفاعًا عن أرضها، وذودًا عن حياضِها، وحفاظًا على استقرارها وأمنها، وحمايةً لأهلها وأبنائها، كما هو الحالُ كلَّ فترة إذ يقوم أبناؤنا المخلصون، بتقديم دمائهم الغالية النفيسةَ في مواجهة الإرهاب الملعون، وكلِّ عدوٍّ مأفون، ونحن كذلك معهم إن شاء الله صامدون، ولهم معينون ومؤيدون، وبقدر الله راضون، ولأمره مُسلِّمُون، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
وحسبنا في مُصابِنا وفي كلِّ مُصابٍ مثله أننا نحتسبهم والله حسيبهم شهداء عند ربهم، لهم أجرهم ونورهم، ونحسبهم ممن قال الله فيهم: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)، ونُسلِّي أنفسنا ونُصّبِّرُها وكذلك أهليهم وذويهم، بما وعدهم وأعدَّ الله من النعيم لهم، كما قال عز وجلَّ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)، وحسبنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن للشهيد عند الله سبعُ خصال: يُغفر له في أول دفعةٍ من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من فتنةِ القبر، ويأمنُ يومَ الفزعِ الأكبر، ويُوضَعُ على رأسهِ تاجُ الوقار، الياقوتةُ منهُ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعينَ زوجةً من الحورِ العين، ويشفعُ في سبعين من أقاربه”.
فالشهادة في سبيل الله غايةٌ عظيمة، ومنزلةٌ رفيعةٌ كريمة، فنسأل الله أن يتقبلهم عنده في الشهداء، وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان، وأن يجعلهم شفعاء لهم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وأخيرًا إذا كانت الشهادةُ والموتُ في سبيل الله ومن أجل الوطن أمرًا عظيمًا، فإنَّ الحياة كذلك في سبيل الله ومن أجل الوطن أمرٌ عظيمٌ وصعب، فإن لم تستطع أن تكون مع قوافل الجند المرابطين المقاتلين، فكن مع قوافل الجند العاملين المنتجين، لذا فعلى كلٍّ أن يقوم بواجبه على أكمل وجهٍ نحو ربه، ثم وطنه، وأن لا يدخر جهدًا في سبيل رفع اسمه وإعلاء كلمته.