من الضرورى ونحن بصدد تحديد من يتحمل عبء أى ضريبة (المباشرة أو غير المباشرة)، أن نفرق بين مختلف الدخول والسلع التى تطبق عليها هذه الضرائب، وعلى هذا الأساس نبدأ هنا أولاً فى سبيل تحديد من يتحمل عبء النوع الأول (الضرائب المباشرة)، أن نحدد الدخول التى تلتزم بدفع هذه الضرائب. ونبدأ فيما يخص الضرائب على الأجور والمرتبات (أى على كسب العمل) يمكن القول، كقاعدة عامة، أن هناك صعوبة بالغة فى نقل عبئها إلى الغير. فمن غير المتصور أن يقوم أصحاب هذه الدخول بنقل عبء هذه الضريبة إلى منتجى السلع الاستهلاكية مثلاً، والتى تخصص هذه الدخول لشرائها (إلا فى الحالات التى تؤدى فيها هذه الضريبة إلى انخفاض كبير فى حجم الطلب الكلى للمجتمع على هذه السلع). وهذا لا يحدث فى أغلب دول العالم وعلى الأخص مصر، وذلك لكبر حجم السوق واتساع رقعته وارتفاع معدلات الطب الكلى على السلع الأساسية. كما أنه من العسير، من الناحية الأخرى، نقل عبء هذه الضريبة إلى أصحاب العمل (المنظمين) الذين يدفعون هذه الأجور والمرتبات. ومع ذلك فقد تنجح نقابات العمال فى بعض الأحيان (وفى بعض الدول التى توجد بها نقابات عمال قوية التأثير فى الاقتصاد مثل إنجلترا وفرنسا وأمريكا) فى حمل صاحب العمل على دفع هذه الضريبة أو اقتسامها ودفع جزء منها بدلا من العمال والموظفين. وهذا أيضا لا يحدث فى مصر حتى الآن لضعف نقابات العمال فى التأثير على قوى السوق الحر، أما فيما يخص الضريبة على إيراد القيم المنقولة فإن المكلف بأدائها (أى دفعها) ليست له أى فرصة فى أن ينقل عبئها إلى الغير، وسوف يتحملها كاملة، وكذلك الحال يمكن القول بأن المكلف بدفع الضريبة على إيرادات العقارات يتحمل عبئها كاملة هو الآخر ولا ينقلها إلى أحد غيره، كقاعدة عامة، فى حالة إذا كان (لا يؤجر هذه العقار)، أى فى حالة استغلالها بنفسه، وهذه هى حالة الضرائب العقارية فى مصر حسب القانون الجديد. أما الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية فإن المكلف بدفعها قانوناً، كثيراً ما ينجح (فى مصر على الأخص) من نقل عبئها أو جزء منه على الأقل إلى المستهلكين، وذلك عن طريق رفع ثمن المبيعات من السلع. ولا شك فى أن انخفاض مستوى العرض عن الطلب فى مصر يساعد كثيراً على نقل هذا العبء إلى المستهلك، مع ملاحظة أن وجود التسعيرة الجبرية لبعض السلع الأساسية يمنع هذا النقل ولو بقليل. وأما فيما يتعلق بالضريبة على الاستغلال الزراعى، فإن فرصة نقل عبئها فى مصر تكون فى ظل الظروف العادية، أقل من فرصة نقل عبء الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية. وفيما يخص الضريبة على إيرادات المهن غير التجارية (مثل الأطباء والمهندسين والمحامين.. الخ) عادة ما ينجح المكلف بدفعها قانونا، فى نقلها أو جزءاً كبير منها إلى المستفيدين من الخدمات، عن طريق رفع ثمنها. أما وفيما تبقى من الضرائب على الثروة والتركات والضرائب العامة على الإيرادات، ننتهى إلى صعوبة نقل عبئها إلى الغير فى مصر أو فى أى دولة أخرى، ولذلك يكون من الممكن أن نحمل عبء هذه الضرائب للملتزمين قانوناً بأدائها. وخلاصة القول هنا، إن القدرة على نقل عبء الضرائب تتوقف على مدى القوة النسبية لأطراف المبادلة، وهو ما يتوقف فى النهاية على مدى مرونة عرض السلعة أو الخدمة موضوع المبادلة بالنسبة لمرونة الطلب عليها. وأما صعوبة تحديد من يتحمل عبء الضرائب المباشرة فى النهاية، قد يكون من المبرر، وهو ما يقبله أغلب كتاب علم الاقتصاد فى العالم المعاصر، أن نفترض أن عبء الضرائب المباشرة يقع على المكلفين قانوناً بأدائها، وهو ما يعنى إذن استبعاد احتمال نقل عبئها إلى الغير، ويعنى هذا الفرض أيضاً أن الضرائب المباشرة محل الدراسة تمارس أثارها التوزيعية كما يجب حسب خطة الدولة وسياسة والموازنة العامة من خلال التأثير فى مكافآت عوامل الإنتاج (أى الأجور والمرتبات(. إلا أن يظل محل خلاف وجدل ومن واقع دراستى للسياسة الضريبية المتبعة فى مصر، ما إذا ما كانت الضرائب المباشرة حتى اليوم تؤدى الدور المطلوب منها فى أن يتحمل عبئها المعنى قانوناً بها، خاصة فى حالات الأرباح التجارية والصناعية والاستغلال الزراعى والضرائب على المهن غير التجارية (باستثناء الأجور والمرتبات). أم أن الحالة المصرية حالة خاصة، عادة ما ينقل عبء الضريبة المباشرة أو جزء منها إلى المستفيد من السلع والخدمات التى يقدمها إليهم (المكلف بالضريبة قانوناً) عن طريق رفع الأسعار. وفى هذا إسقاط كامل لدور السياسة المالية الإيجابية ومناف تماما لمبدأ “العدالة الضريبية والاجتماعية”. حيث يظل أصحاب الأجور والمرتبات (خاصة موظفى الحكومة) أكثر الفئات تضررا من السياسة الضريبية الحالية. * أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة