الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد/فقد يتساءل كثير من الناس: ما هو الكنز المفقود؟! والإجابة: هي أن الكنز المفقود هو ذلك الكنز الذي فقده كثير من الناس، مع أنه بحوزة كل الناس، فقدوه وفرطوا فيه مع أنه جنة الحياة، وبطاقة النجاة، ومفتاح السعادة، وتاج العبادة، وهو الحصن المنيع، والمقام الرفيع، وسلم الوصول، وباب القبول، وطريق النجاح، وسبيل الفلاح، وهو غراس الجنة، وتمام المنة!.
ذلكم الكنز هو (الذكر)، نعم ذكر الله عز وجل، ولم لا؟ وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم أحد الأذكار بأنه كنز، بل ومن كنوز الجنة، حين قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: “ألا أدلُّك على كنزٍ من كنوزِ الجنَّةِ؟” قال: بلى يا رسول الله. قال: “لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ”.
وقال كذلك صلى الله عليه وسلم: “أُعطيتُ فاتحةَ الكتاب، وخواتيمَ سورة البقرة من كَنْزٍ تحت العرش، لم تقرأ بحرفٍ منها إلا أُعطيته”.ولم لا؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم ﻷصحابه يوماً: “ألا أنبئُكُم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذهبِ والورِقِ، وخيرٍ لكم من أنْ تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم؟” قالوا: بلى. قال: “ذكرُ اللهِ”. حتى قال معاذٌ: ما شيءٌ أنجى من عذابِ اللهِ من ذكرِ اللهِ!.
ومن أروع ما في الذكر أنه مع ما له من الفضل الكبير، والأجر العظيم، والثواب الجزيل، والكرامات والعطاءات، وأنه كنز الكنوز، إلا أنه أسهل العبادات، وأيسر الطاعات، فلا يختص ولا ينحصر بزمان ولا مكان ولا حال، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه)!. وذلك مصداق قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}، لذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: لا يفرض الله على عباده فريضةً إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال عذرٍ، غيرَ الذكر، فإن الله لم يجعل له حدًا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله، فقال: {فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم}، بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسرِّ والعلانية، وعلى كل حالٍ.
ومن لطيف ما يُروى في هذا الباب ما رواه محمد بن المنكدر رحمه الله حين قال: (بلغني أن الجبلين إذا أصبحا تناديا، فيقول أحدهما للآخر: هل مر بك ذاكر لله عز وجل اليوم؟ فيقول الآخر: نعم. فيقول الأول: هنيئًا لك، غير أني ما مر بي ذاكر لله عز وجل اليوم)!.
فلا تحرم نفسك الخير والأجر… وأدم ذِكرَك في كل أحوالك، قائمًا وقاعدًا وعلى جنبك، بمفردك ومع غيرك، في فرحك وفي ترحك، في بيتك وفي مواصلاتك وفي عملك، في حِلِّك وفي ترحالك، في كل حركةٍ من حركاتك وفي كل سكنةٍ من سكناتك، وتذكر دائمًا قول ابن القيم رحمه الله تعالى: (إذا انكشف الغطاء للناس يوم القيامة عن ثواب أعمالهم، لم يروا عملًا أفضل ثوابًا من الذكر، فيتحسر عند ذلك أقوام فيقولون: ما كان شيء أيسر علينا من الذكر)!.