لماذا كل هذا الاستبسال في انتزاع المراكز؟
ألف لماذا… تلف خيوطها لمن ينظر حوله بدون عناء تحديق حواليك هنا وهناك في الإطار القطري وخارجه أيضا..
لماذا لا يدرك هؤلاء أن الكرسي دوّار.. ولو كسر منه أصغر مسمار سينهار، وما أدراك ما الانهيار، فالكرسي لا يدوم لي أو لك، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك..
لا .. ليس من حقك، ولا ينبغي لك، أن تنزعج لأنك تركت الكرسي الذي تجلس عليه لسبب أو لآخر.. أو ستتركه..
لا.. ليست مراكزنا هي التي تحدد شخصيتنا، ولا مكاننا هو الذي يبلور مكانتنا.. وإلا قل لي من فضلك:
من ذا الذي يتصور ولو للحظة واحدة أنه خالد ودائم وثابت؟! بالتأكيد هو إنسان واهم أليس كذلك؟ أنا اليوم هنا وغدًا في مكان آخر، كلنا نكمل كلنا في سلسلة واحدة، كل عليه أمانة يؤديها، وله رسالة يوصلها، وهذه سنة من سنن الخلق والوجود، وناموس الخالق في المخلوق! لا ينبغي أن تسول لي نفسي أنني دائم أو مخلد أو.. أو.. هذا مستحيل، فدوام الحال من المحال، وكل شيء مؤقت، له أجل وله وعمر افتراضي.
لكن أكثرنا يريد أن يعمر إلى ما لا نهاية.. وهذا أيضًا مستحيل..!
ليس المهم هو الكرسي الذي تجلس عليه، فالأهم من يدير الأوراق فوق الطاولة.. ليس المهم هو الكرسي، فالأهم من يجلس على الكرسي، من ذا الذي يستطيع إدارته وإنارته ويحفظ توازنه من الاختلال والاحتلال والاختزال؟
ومع أن الكثير والكبير والعديد من الكراسي في العالم من حولنا، سواء كان عالمنا الصغير أم عالمنا الكبير، تتغير كل يوم.. وبعضها يتداعى.. وكثير منها يتهاوى.. إلا أننا لا نتعظ بالبصائر من المصائر، ولا نريد، وترى هؤلاء النوعية من الناس سكارى بالمؤقت والمبهر والخاطف للبصر والهالك.. وما هم بسكارى، ولكن عذاب الكرسي وعذوبته: رائع ومروع.. !
هل أنت قادر على استيعاب معنى الكرسي ومتطلباته وتداعياته؟ إنه ليس قطعة خشبية، إنه أخطر من ذلك، في المعنى والمبنى، إن الكرسي معنى عظيم لكن أكثر الناس لا يعلمون، فهل تعلم يا طالب الكرسي على ماذا تأمر وتنهي؟ إن ذلك يستتبع المعرفة المحيطة، وأن تكرس فكرك وعملك، فها أنت كذلك؟
كل شيء هالك نعم.. لكن ليس الهلاك بمعنى الموت، ولكن بمعنى جدل الأشياء، وتوليد الأشياء من بعضها البعض، وحين ندرك ذلك، تستقيم أمورنا إلى أن تصفر أوراقها وتساقط من شجرة الحياة.. وكل طاولة لها كرسي.. وكل كرسي له من يجلس عليه.. لكن إلى حين.
الباحثون عن الكراسي يظنون أنهم نجوم.. ولهم حرية التصور الذي يستدعي التصديق في المطابقة والمقاربة..
نعم نحن نحتاج نجوماً تضيء الظلام والإظلام بحق، وصولاً إلى حقيقة الرؤيا وحق الرؤية.. نريد نجوماً ورموزاً، لا تعرض علينا صوراً شاهدناها من قبل آلاف المرات، ولا تسير بنا في طريق تعبنا من السير فيه.. كل عصر يحتاج أبطاله، وقد يكون هؤلاء الأبطال من الأنبياء أو الكهنة، من الملوك أو المحاربين، من المستكشفين أو المحترفين، من الفلاسفة أو الشعراء، لكن كل عصر من العصور يحتاج إلى بعض الأفراد غير العاديين الذين يستطيع الناس جميعاً، رجالاً ونساء، أن يتطلعوا إليهم كمثال يحتذى أو حتى كظاهرة جديدة تجذب الاهتمام.
لكن المشكلة – في رأي أستاذنا محمد حسنين هيكل – بالنسبة للنجوم اللامعة في العصر الحديث، أنهم مثل راكبي الدراجات، عليهم أن يواصلوا الحركة باستمرار، وألا يتعرضوا للسقوط على الأرض، بل إن عليهم باستمرار أن يتحركوا أسرع ثم أسرع، لأن طريق السباق فيما بينهم على الأضواء، طريق يتصل ارتفاعه؛ لأنه صعود جبل.
إن الأضواء تستطيع أن تخفض ملامح الضعف، كما أن ألوان الماكياج تحت وهج الأضواء تستطيع أن تبهر الآخرين، لكن اللحظة سوف تجيء حين يتباطأ الإيقاع ويتحوّل الاهتمام، ربما بسبب ظهور نجم لامع جديد في نفس المجال، لكن أحداً من النجوم اللامعة لا يستطيع أن يحتفظ بمكانته عن طريق صنع ما هو عادي، المنتظر منه دائماً هو غير العادي، وغير المتوقع، بل وأحياناً المخيف..!
وتبارك الذي بيده الملك، يؤتيه و…ينزعه!!
وأدعوكم إلى تدبر كلمة }تنزع{ في الآية رقم 26 من سورة آل عمران قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ صدق الله العظيم.