فى الليالى الظلماء نبحث عن نور يضىء لنا العتمة، وفى الأيام السوداء نبحث عن ضوء لنهار جديد، والضوء هنا ربما كان بارقة أمل، وكلمة (هنا) أقصد بها (منطقتنا العربية) بمحيطها الشرق أوسطى، فلم تشهد تلك المنطقة أياماً أكثر سواداً مما نعيشه الآن، بعد أن انغمس كثير من بلدانها، وقطاعات واسعة من شعوبها فى حروب كراهية وتعصب وعنف وإرهاب.
وكثيراً ما أتساءل، أو على الأحرى أفتش عن مشهد لربما يساعدنى ويساعدنا جميعاً فى التمسك بالأمل للخروج من الخنادق السياسية والدينية والمذهبية والعرقية التى يتخندق فيها معظم سكان المنطقة العربية اليوم، وترى كل فريق أو فصيل يتحين فرصة الانقضاض على آخر يكرهه لا لشىء فى الغالب سوى أنه مختلف عنه!!!.
فما أشدها حاجاتنا إلى البحث عن ضوء أمل وسط الظلام الدامس المخيم على منطقتنا.
وربما كان نزول الأعلام السوداء من فوق الصوارى، وإغلاق أبواب المحاكم الشرعية فى دولة الخلافة (داعش)، بعد سيطرة الجيش السورى على مدينة البوكمال الأيام الماضية، وكذلك سيطرة القوات العراقية على مدينة الموصل، هو الأمر الذى أشعرنا ببريق لهذا الأمل الذى ربما يبشرنا بقرب طىّ صفحة (داعش)، هذا الكابوس الإرهابى الوحشى الذى عاث فساداً فى الأرض لما يقرب اليوم من ٣ سنوات متواصلة، والذى نجهل عنه أكثر مما نعلم بكثير.
ولكن للاسف فقد أفسد عقلى على وجدانى متعة الاستمتاع برحيق هذا الأمل، بعد أن حدثنى وهو يتساءل قائلاً: قد تكون هذه الظاهرة الإرهابية المعروفة بداعش أوشكت بالفعل على التلاشى والانتهاء، ولكن… هل هزيمتها وخروجها من البلاد انتهاءٌ لوظائفها التى وُجدت لأجلها؟؟؟!!!!.
ممممممم… ويا له من سؤال مهم جداً يحتاج بالفعل إلى تفكير جاد بشكل شامل…. لذا دعونا نفكر معاً فى تلك المساحة، على الرغم من أننى كنت أتمنى أن يتركنى عقلى وشأنى مع (الأمل) الذى قد بات شحيحاً فى عصر أصبح تطغى فيه مشاعر الكراهية والبغضاء التى تبعث روائح اليأس والإحباط بكل أسف فى نفوسنا فى كثير من الأوقات.
فتنظيم داعش الإرهابى منذ نشأته وهو يؤدى مجموعة من الوظائف بالفعل لمجموعة كبيرة أيضاً من الأطراف المحلية والخارجية، ومما هو معلوم أن استمرار أى تنظيم أو كيان مرهون بالوظائف التى يؤديها بالأساس، وأن تلك الوظائف تتطور بتطور السياق المحيط.
ولعل من ضمن أهم وظائف داعش الوظيفة الأمنية التى أداها ويؤديها لأطراف عديدة: لإسرائيل ضد إيران مثلاً، ونذكر هنا عندما قال وزير الدفاع الإسرائيلى السابق موشيه يعالون فى أحد تصريحاته (إذا كان علىَّ أن أختار ما بين داعش وإيران فسأختار داعش لأنها أقل قوة من إيران!!!)، وكذلك أدى داعش نفس الوظيفة الأمنية لأمريكا ضد إيران أيضاً (وهنا تحضرنى سلسلة من الأحداث ربما لا تسع المساحة هنا لسردها كلها، ولكن دعونى أخبركم مثلاً بما فعلته أمريكا مؤخراً بالتشويش على الأجهزة الإلكترونية لروسيا وحلفائها فى معركة مدينة البوكمال بسوريا، الأمر الذى يوضح عدم جدية ولا نية أمريكا فى محاربة داعش والقضاء عليه) وفى العموم يمكننا القول إن سلوك أمريكا مع داعش ما هو إلا امتداد لسلوكها مع القاعدة وباقى الجماعات الإسلامية.
ودعونا نتساءل الآن: هل انتهت تلك الوظيفة الأمنية للتنظيم؟؟؟؟؟.
هناك أيضاً وظيفة اقتصادية ويكفينا أن نشير إلى بيع البترول وشراء وتجارة الأسلحة دون الخوض فى تفاصيل كثيرة لا تسمح بها المساحة هنا أيضاً.
لذا وجب علينا أن ننظر للمشهد الدولى والإقليمى والعربى من منظور أوسع ونحن نحتفل بهزيمة داعش فى البوكمال أو الموصل، ونركز اهتمامنا على مسألة المصالح التى يخدمها هذا التنظيم والوظائف التى يؤديها، ومن ثم نخطط من هذا المنطلق أو من تلك الأرضية للتعامل معه، فظاهرة الإرهاب لها أبعادها العابرة للحدود والتى ترتبط بالأساس بمخططات تقسيم وإعادة رسم خرائط منطقة الشرق الأوسط.
ويجب أن نعى جيداً كذلك أن معركتنا مع داعش لن تحسم بالمواجهة العسكرية وحدها ولا هى كذلك معركة فكرية فقط وليست اجتماعية أو اقتصادية منفصلة.