بعد عامين من الجهود الدءوب، وبالرغم من العوائق والتحديات السياسية والاقتصادية، افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي المرحلة الأولى من مشروع حقل “ظهر” في 31 يناير 2018، إذ عملت الحكومة المصرية بكفاءة على هذا المشروع، منذ اكتشاف الحقل في أغسطس 2015، وذلك من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في توريد الغاز الطبيعي المسال، واستعادة دور مصر الريادي كمورد للغاز الطبيعي. إذ يضع حقل “ظهر” مصر على خريطة الغاز العالمية، حيث يزيد حجم إجمالي الاحتياطات المؤكدة بعد هذا الاكتشاف عن 72 تريليون قدم مكعبة، علماً بأن احتياطى الغاز بحقل ظهر يقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة.
ويعد حقل ظهر أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر ض المتوسط، وأهم اكتشاف على مستوى العالم. فقد تم اكتشاف حقل ظهر من قبل شركة الطاقة الإيطالية “إيني”، ويقع على بعد 180 كم (110 أميال) قبالة ساحل بورسعيد، وعمق 1500 متر. وتكمن أهميته من حيث الإمكانات التخزينية، والتي تصل إلى 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز من شأنها أن تحول مصر من مستوردة للغاز الطبيعي إلى مُصدر ذو ثقل. وعلاوة على ذلك، فإنه سوف يلبي الزيادة السريعة في الطلب على الطاقة، واستبداله بالنفط جزئياً في توليد الكهرباء. ومن المتوقع أن يزداد إنتاج الغاز الطبيعي إلى مليار قدم مكعبة يوميا بحلول نهاية مرحلة الإنتاج الأولى في يونيو 2018، مما يمنح مصر الاكتفاء الذاتي من إمدادات الغاز الطبيعي المسال. وبحلول نهاية عام 2019 سوف تصل الطاقة الإنتاجية القصوى إلى 2.7 قدم مكعبة يوميا، مما يجعل مصر مركزاً إقليمياً للطاقة.
إذ تسعى مصر إلى تطوير مركز إقليمي للطاقة، من أجل الإنتاج والتصدير، وذلك من خلال الاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع دول شرق المتوسط. وبما أن قطاع الطاقة هو المحرك الأساسي للنمو في اقتصادات الدول النامية، اعتمدت استراتيجية تطوير الطاقة على اكتشافات الغاز، وتعزيز فرص الاستثمار في المشاريع المتعلقة بمجالات التعدين، وكفاءة الطاقة والبنية التحتية، والطاقة المتجددة من أجل سد الفجوة بين الطلب المفرط، وضعف إمدادات الطاقة، ومواكبة المعدلات المطردة للنمو السكاني.
وقد لعبت الحكومة المصرية دوراً حيوياً على المستويين المحلي والدولي للتغلب على التحديات، وتحقيق أقصى قدر من المنافع الممكنة. وتكمن فاعلية دور الإرادة السياسية في متابعة الحكومة المصرية عن كثب سرعة تنفيذ المشروع خلال عامين منذ اكتشافه وحتى بدء الإنتاج فى 16 ديسمبر 2017، مما يُعد فترة زمنية قياسية على المستوى العالمي، والتي تؤكد القدرة على تنفيذ المشروعات الكبرى فى وقت قياسي. فعلى مدار العامين الماضيين، تم توفير جميع الاحتياجات والتسهيلات لتنفيذ هذا المشروع العملاق في فترة زمنية قصيرة. هذا إلى جانب تشريع القوانين واللوائح الأساسية لتشجيع الاستثمارات وخلق حوافز للقطاع الخاص تحسيناً لهيكل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى جهود الدبلوماسية المصرية لتعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا، والتصدي للاستخدامات السلبية لقضية “ريجيني”، من خلال تسريع وتيرة العدالة الناجزة، والتي أسفرت عن الحفاظ على أداء شركة “إيني”، وتحسن العلاقات بين البلدين.
وثمة منظور آخر للتحديات يتمثل في أهمية ترسيم الحدود البحرية لضمان مزيد من الاكتشافات، وفتح آفاق جديدة للبحث والتنقيب عن البترول والغاز في المناطق الاقتصادية الخالصة المصرية بالبحر المتوسط، حيث يوجد هناك 8 مناطق، بخلاف منطقة الشروق التي تشمل حقل ظهر تزخر بنحو 200 تريليون قدم مكعبة احتياطياً من الغاز. ونظراً لامتلاك مصر موارد اقتصادية متنوعة ضخمة في البحر الأبيض المتوسط؛ قامت الحكومة بمتابعة الاتفاقيات الدولية لترسيم الحدود البحرية من أجل إثبات حقوق مصر السيادية على المناطق الاقتصادية الخالصة، والتي تعتبر من الخطوات الحاسمة التي اتخذتها الحكومة مؤخراً. ومن بين هذه الاتفاقات، ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2003، مما سمح بمناطق الاستغلال الاقتصادي التي تحكمها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وبناء على ذلك، فإن مصر تملك الحق السيادي في التنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة حتى تم الاكتشاف المثمر لـ “حقل غاز ظهر”. وعلى خلفية هذا الاكتشاف، واصلت مصر جهودها الدبلوماسية الحثيثة في حل الحدود البحرية المتنازع عليها بين قبرص، واليونان، مما أسفر عن استئناف المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان.
وفي هذا السياق، تلعب الدبلوماسية المصرية دورا ريادياً في الوساطة حتى يتسنى التقاسم العادل للحقوق والالتزامات على الموارد الاقتصادية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، دون المساس بالحقوق السيادية لكل دولة على حدة والتي تضمنتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، خاصة أن الحدود البحرية المتداخلة في البحر الأبيض المتوسط بين مصر، وإسرائيل، وفلسطين، ولبنان، وسوريا، وتركيا، واليونان، وقبرص قد تكون مصدراً للتوترات التي تهدد الأمن الوطني والإقليمي، إذ يلاحظ أن تركيا ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ورفضت اتفاقات ترسيم الحدود التي تم التوصل إليها بين قبرص ومصر وإسرائيل، اعتماداً على أسانيد تتنافى مع أحكام ومبادىء القانون الدولي.
وعلى الرغم من التحديات والعقبات، من المتوقع تحقيق مكاسب اقتصادية متعددة في السنوات المقبلة، حيث يساعد مشروع حقل ظهر في تخفيف العبء على الاقتصاد والمجتمع المصري؛ حيث إن حجم الصادرات سيزداد، وستنخفض واردات الغاز الطبيعي المسال تدريجياً، مما يدعم ميزان المدفوعات ويقلل العجز المزمن في الحساب الجاري، بالإضافة إلى الحفاظ على توازن ميزان الطاقة في مصر، حيث التوازن بين الإنتاج والاستهلاك المحلي وعائدات التصدير، وذلك بعد العجز الشديد الذي شهده ميزان الطاقة على مدار السنوات الماضية. ومن المتوقع أن يتم توفير نحو مليار دولار أمريكي سنوياً في واردات الغاز. وتجدر الإشارة إلى أن زيادة الصادرات من الغاز الطبيعي المسال سوف تسهم في تنشيط وتعزيز الطاقة الإنتاجية لمحطات الإسالة التي تراجعت مع تراجع مصر في إنتاج الغاز الطبيعي.
وعلى الصعيد آخر، سيرتفع رصيد الاحتياطي من النقد الأجنبي، مما يؤدي إلى تعزيز الجدارة الائتمانية وقيمة الجنيه المصري. كما سيتم تخفيض عجز الموازنة العامة على خلفية تغطية الزيادة السريعة في الطلب على الطاقة، فضلا عن ترشيد الاستهلاك، ومن ثم خفض النفقات الحكومية بعد إزالة الدعم.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يتم ضخ استثمارات في المرحلتين الأولى والثانية بنحو 15 مليار دولار. ومن الجدير بالذكر أنه تم توفير نحو 16 ألف فرصة عمل مباشرة، وفرص أخرى متوقعة بحلول نهاية المشروع.
علاوة على ذلك، من الضروري تسليط الضوء على أن هناك حقلى غاز آخرين قد تم اكتشافهما مؤخراً هما؛ نوروس وشمال الإسكندرية، وما يقرب من 27.3 مليون دولار أمريكي سيتم استثمارها في حقول الغاز الطبيعي الثلاثة “ظهر وشمال الإسكندرية ونوروس”، وذلك خلال عام 2018. وفي هذا الصدد، تعكف الحكومة الآن على بذل جهود مضنية لتسريع وتيرة الإنتاج من الحقول المكتشفة حديثاً، بهدف وقف الواردات بحلول عام 2019. وبالإضافة إلى الوصول للاكتفاء الذاتي، سشهد صناعات الكيماويات والأسمدة كثيفة استهلاك الطاقة نشاطًا ملحوظًا من خلال تعدد عمليات التصنيع، ومن ثم استيعاب الطلب في السوق المحلي، وخلق قنوات تصديرية أخري، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على احتياطي من النقد الأجنبي.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى الاستراتيجية المصرية طويلة الأجل نحو تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية، فضلاً عن الرخاء الاجتماعي. وفي هذا السياق، تركز جهود الحكومة المصرية بشكل أساسى على الاستخدام الفعال للموارد الاقتصادية والحد من إهدار الطاقة المستخدمة. ويلاحظ أن معظم القروض والاستثمارات موجهة للمشاريع المتعلقة بتطوير البنية التحتية، وكفاءة الطاقة والموارد الجديدة والمتجددة، أخذاً في الحسبان أن العائدات المثمرة لهذه الاستثمارات والقروض سوف يتم جني ثمارها على المدى الطويل لبناء اقتصاد أكثر تقدماً، حيث تشهد مصر مرحلة انتقالية تتطلب الصبر والتفاهم والمثابرة من أجل معالجة التشوهات الاقتصادية التي أدت إلى توسيع دائرة الاقتصاد غير المنتج خلال العقود السابقة.