أحد مظاهر حروب الجيل الرابع، توظيف القوى الناعمة في اختراق المجتمعات والشعوب من أجل القضاء عليها وتدميرها، وتعد الشائعات أحد هذه القوى التي ساعد عليها الثورة الهائلة في علم الاتصال وانتشار الوسائط الإعلامية السمعية والبصرية والإلكترونية والمطبوعة، وافتتح صالون المنتدى المصري للإعلام – إحدى منظمات المجتمع المدني – أعماله في القاهرة أخيراً بطرح قضية حرب الشائعات التي تتعرض لها مصر، وأكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي بأن الوطن تعرض لـ21 ألف شائعة في ثلاثة أشهر فقط، ورأى أن أخطر تحدٍ تتم مواجهته هو محاولة التدمير من الداخل. وإذا كانت هذه الحرب تدل على شيء، فإنها تدل على إخفاق الإعلام المصري، سواء كان عاماً أو خاصاً في مواجهة موجات الشائعات لأسباب عدة نتناول أربعة منها في ما يلي:
أولاً: شُح المعلومات يؤدي إلى خلق بيئة حاضنة للشائعة ولكن كلما توافرت المعلومة لن تجد الشائعة البيئة الخصبة لتناميها ولهذا أصبح على الدولة أن تسرع في إصدار قانون حرية تداول المعلومات، وهو القانون الذي يلزم مصادر المعلومات بتوفيرها لمن يطلبها من الجهات المعنية، إلا تلك المتعلقة باعتبارات الأمن القومي حيث أكبر مشكلة تواجه القائمين بإعداد وتوجيه الرسالة الإخبارية نقص المعلومة بشأن الأحداث لا سيما الطارئة أو غير المتوقعة.
ثانياً: تناقض المعلومات بمعنى تعدد الجهات التي تعطي المعلومة بشأن حدث معين أو صدور تصريحات من جهة واحدة لكنها قد تكون متناقضة وفي كلتا الحالتين نعطي هنا الفرصة لمروجي الشائعات لنسج الأخبار الكاذبة حيث إن الشائعة تعتمد على نسبة ما من الحقيقة أو بعبارة أخرى كما يقول الدكتور حسن عماد مكاوي أستاذ الإعلام فإن الشائعة خبر كاذب يستند إلى ظل من الحقيقة. ولهذا يصبح من الضروري مراعاة الحصول على الأخبار من مصادرها الرسمية أو الطبيعية.
ومن ثم أصبح المراسل في ظل ثورة الاتصالات المصدر الرئيس للخبر؛ لأنه يتعامل مع المصادر الفعلية للخبر.
ثالثاً: مواقع التواصل الاجتماعي المروج الأول للشائعات، فمعظمها إن لم يكن جميعها تبدأ في الانتشار من طريق ترديدها عبر هذه المواقع. ونلاحظ أن بعض وسائل الإعلام يجعل من هذه المواقع مصدراً للخبر وهو بلا شك خطأ مهني، فالقاعدة أن تلك المواقع تأخذ عن وسائط الإعلام ولكن إذا حدث العكس بمعنى نصبح أمام كارثة. وتساهم القنوات الفضائية في ترويج الأخبار الكاذبة ومنها بالطبع الشائعات!
رابعاً: ترديد الشائعات وتكرارها من خلال وسائل الإعلام حتى ولو بحسن نية يثبت وجودها في ذهنية المتلقي، حيث إن بعض القنوات تذكر الشائعة والخبر الصحيح الذي يكذبها أو يرد عليها وإذا افترضنا حسن النية، فإن الوسيلة الإعلامية تساهم في ترويج الشائعة بترديد محتواها حتى ولو على سبيل تكذيبها؛ لأن الجمهور تلفت نظره الأخبار الكاذبة ولا ينجذب نحو الحقائق فالأولى هي الاستثناء والثانية
هي القاعدة. والعقل البشري يميل نحو الاستثناء لأن القاعدة هي الأمر المفترض لطبائع الأشياء. ولهذا يجب التوقف عن ترديد محتوى الشائعة والاكتفاء بذكر الحقائق التي تترجم في العقل الجمعي لمواقف رافضة للأخبار الكاذبة! ونرى أنه يجب أن تتخذ الدولة المصرية عدداً من الإجراءات في حربها ضد الشائعات؛ منها: مراكز التفكير أو ما يسمى think tanks المعنية بمعالجة الموقف الإعلامي والأخبار الكاذبة التي تصل إلى حد الشائعات وتقطع الطريق على مروجيها من خلال بث ونشر الأخبار الصحيحة المصاغة في شكل حِرفي وتدريب الناطقين باسم الوزارات والمؤسسات الحكومية على المهارات الإعلامية في مخاطبة الجمهور، بما فيها الصياغة المهنية للبيانات والأخبار الرسمية وتجنب الوقوع في الأخطاء والتناقضات التي تساهم في تعميق الشائعة بدلاً من محاصرتها ووأدها في مهدها! تدريب القائمين بالرسالة الإعلامية في وسائط الإعلام المختلفة على كيفية التصدي باحترافية للشائعات أو الأخبار الكاذبة fake news بسرعة اكتشافها ومنع ترديد محتواها. عدم الاستهانة بالجهات التي تقف وراء الشائعات حيث تستعين بالاختصاصين في نسج الأخبار الكاذبة، وتدفع مقابل ذلك الأموال لشن الحروب الدعائية. ونقترح إنشاء مرصد متخصص مدعم بالكوادر ذات المهارات في اكتشاف الشائعات ومصادرها. عدم الاستعانة بالموضوعات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي في إعداد المواد الاعلامية في برامج التوك شو. توعية الجمهور من خلال حملات دعائية ممنهجة بمخاطر الانسياق وراء الشائعات أو ترديدها. تحديد مصادر (رسمية) للمعلومات يلجإ إليها القائمون بالرسالة الإعلامية عند وقوع حدث معين ريثما يتم صدور قانون حرية تداول المعلومات.