لا ينبغي أن نتوقف كثيراً أمام الخلاف الدائر بين أنصار الفصحي وأنصار العامية بزعم التعارض بينهما، فالفصحي لغة جامعة تعكس شخصية الأمة وحضارتها، بينما العامية لهجة من لهجات الفصحي لها دورها ووظيفتها وسماتها المستمدة من المناخ الصحي القريب من اللغة العربية.
إن ما يستوقفنا هو”سوقية” اللغة بصرف النظر عن كونها فصحي أوعامية، حيث لا يخلوتراثنا الشعري الفصيح من مجافاة ذائقة التعبير الراقي والألفاظ المهذبة، والعبرة دائم تكمن في الارتقاء بالذوق العام. ويعد مجمع اللغة العربية هوالجهة الرئيسة التي تستهدف الحفاظ علي اللغة العربية والتصدي لمحاولات تشويهها، وقد تطورت اللغة العربية علي أقلام وألسنة الناطقين بها في العصر الحديث، وكان من أثر هذا التطور أن نشأت ألفاظ وتراكيب تختلف في أوضاعها ودلالاتها عن أصولها في العربية المعجمية المأثورة، وكان من البداهة أن يجد هذا التطور صداه في مجمع اللغة العربية الذي يأتي علي رأس أهدافه المحافظة علي سلامة اللغة العربية والحرص علي ملاءمتها لحاجات الحياة، ويحرص مجمع اللغة العربية علي أن يمد المكتبة العربية بحصيلة جهوده من مصطلحات علمية وثقافية جديدة لمواكبة مستحدثات الحضارة المعاصرة بين تعريب وإحياء للمتروك وتفصيح للدارج، فاللغة العربية هي المقوم الأول من مقومات وحدة الأمة العربية مهما نأت بها عن ذلك عوامل ليس في طاقة الشعوب التغلب عليها. لقد أصاب هذه اللغة العريقة كثير من الوهن نتيجة طغيان اللغات الأجنبية واللهجات الدارجة في مؤسسات التعليم والإعلام والتعامل اليومي بين الأفراد. كانت مصر من أوائل الدول العربية التي اهتمت بسن قوانين للحفاظ علي اللغة العربية، حيث صدر أول قانون للغة العربية في ٣٠ أغسطس ١٩٤٢ في عهد حكومة الوفد، وهوالقانون رقم ٦٢ لسنة ١٩٤٢ والذي نص علي ” إيجاب استعمال اللغة العربية في علاقات الأفراد والهيئات بالحكومة ومصالحها”٠ ثم صدر قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم ١١٥ لسنة ١٩٥٨ ” بوجوب استعمال اللغة العربية في المكاتبات واللافتات في إقليمي الجمهورية”، وفي ٩ مارس ١٩٨٢ صدر القانون رقم ١٤ لسنة ١٩٨٢ بإعادة تنظيم مجمع اللغة العربية والذي نص في مادته الأولي علي أن المجمع” هيئة علمية مستقلة ذات شخصية اعتبارية”، ونص في مادته الثانية علي أغراض المجمع فجعل أولها المحافظة علي سلامة اللغة العربية، وجعلها وافية بمطالب العلوم والآداب والفنون وملائمة لحاجات الحياة المتطورة”، ونص في مادته الثالثة علي وسائل المجمع في تحقيق أغراضه فجعل منها :” بيان ما يجوز استعماله لغوياً، وما يجب تجنبه من الألفاظ والتراكيب في التعبير، وتوصية الجهات المختصة باتخاذ ما يكفل الانتفاع بما ينتهي إليه المجمع لخدمة سلامة اللغة وتيسير تعميمها وانتشارها وتوحيد ما فيها من مصطلحات”. وفي ٣١ مارس ٢٠٠٨ صدر القانون رقم ١١٢ لسنة ٢٠٠٨ بتعديل بعض أحكام القانون رقم ١٤ لسنة ١٩٨٢ بإصدار قانون مجمع اللغة العربية متضماً إلزام” دور التعليم والجهات المشرفة علي الخدمات الثقافية والوزارات والهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية وغيرها من الجهات الخاضعة لإشراف الجهات المشار إليها بتنفيذ ما يصدره المجمع من قرارات لخدمة سلامة اللغة العربية الصحيحة وتوحيد ما فيها من مصطلحات ولإحلالها محل التسميات الأجنبية الشائعة في المجتمع “٠ وللحديث بقية ..