الإرهاب تاريخياً في الأصل ظاهرة استخباراتية خلقت مساحات عريضة من الضغوط والمساومات والتحايلات في العلاقات الدولية تلعب فيها بلا شك الدبلوماسية والمفاوضات الهادئة دوراً كبيراً في توجيه المصالح والتاثير على موازين القوى لاسيما في المناطق الساخنة في العالم مثل منطقة الشرق الأوسط كما يلعب أيضا ما يسمى Dirty Works دورا آخر خفيا، حيث تصب كل هذه الأدوار في سياسات المصالح التي تحكم العلاقات بين الدول ليسود نموذج الدول القوية والدول المستضعفة.
وإن كنت أرى أن ديناميات الحياة السياسية في عالم اليوم لا تجعل تقسيماً تعسفياً لهذا النموذج دائماً وثابتاً في بللورة مدخلات السياسة الدولية فقد تتبادل الدول الأدوار عندما تتغير الظروف والأحداث وتتصالح المصالح، وقد شهد القرن الماضي انهيار نظام القطبية الثنائية الذي كان يمثله الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الذي انهار وانفرط عقده أو أضحي ميزان القوى في صالح قطب واحد هو الولايات المتحدة، ولكننا نشك أن عالم القطب الواحد ستكون له الغلبة في المستقبل، نظراً لاختلاف مقاييس القوة والضعف في القرن الحادي والعشرين، وهنا نرى أن النظام الدولي متعدد الأقطاب هو الأكثر قبولاً في منظومة التعاون الأممي وستكون القوة والهيمنة السياسية والاقتصادية للتجمعات السياسية المتعاونة أو المتكتلة في المدى المتوسط والبعيد.
وعليه يمكن للعالم المتحضر أن يرسم استراتيجية جماعية لمكافحة الإرهاب بشكل عملي ويكون التعاون في هذه الحالة على مستويين أحدهما إقليمي والآخر دولي نتناولهما على النحو التالي:
أولاً– المستوى الإقليمي للحرب على الإرهاب
تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق في العالم التي تعاني من ظاهرة الإرهاب، وأتصور أن هناك دوراً مهماً للنظام الإقليمي العربي في هذه النقطة تحديداً، لأن الكتلة العربية هي منظومة دول يمكن أن تشكل قوة مؤثرة بين دول اخرى بالمنطقة مثل إيران وتركيا وإسرائيل مهما تحركت تعمل في النهاية من أجل مصالحها الخاصة في حين أن الدول العربية في جماعيتها تمثل مصالح المنطقة باكملها وان الازمات العربية- العربية هي نتاج حالة استقطاب فرضتها ودبرتها الأطراف المشار إليها وفي مقدمتها اسرائيل ومن هنا تأتي مهمة جامعة الدول العربية التي لم تقدم رؤية إقليمية حتى الآن للتعاون الإقليمي في الحرب على الإرهاب، ونلاحظ أن الجهود العربية لمكافحة الإرهاب تظل مرتبطة بالدول التي تتعرض للعمليات الإرهابية.
ثانيا- المستوى الدولي للحرب على الإرهاب:
يمكن ان يشكل مجموع استراتيجيات التكتلات الإقليمية استراتيجية عالمية تتصدى للأشكال المحتلفة لظاهرة الإرهاب وهذا لن يتحقق إلا إذا تراجعت الدول الراعية للارهاب عن هذا الفعل من خلال كشفها امام العالم وهنا تلعب الامم المتحدة كمنظمة دولية دوراً أساسياً في تفعيل استراتيجية المواجهة العالمية للإرهاب.
ونافلة القول يبقى التأكيد أن الإرهاب أيضا ظاهرة فكرية تبدأ بتغيير الإطار المرجعي لمن ينتمي إليه وتزييف وعيه بأفكار رافضة ومتطرفة تجد مبتغاها في الأوساط المقهورة والمهمشة والتي تفتقد لنسق الهوية والفكر الوسطي، حيث تتسع الهوة بين الأجيال وتتعمق التناقضات الاجتماعية وهكذا نصبح أمام مشروع عنصر إرهابي وتبقى مسئولية التغيير بأيدي مؤسسة الأسرة ودور العبادة والنظام التعليمي والإعلام بكل وسائله!