حين نراجع أكثر الطرق شيوعا عند التعامل مع الأزمات، خاصة في بعض الكيانات الهشة، نلاحظ حالة من التخبط والارتجال، والبطء في اتخاذ القرار.
وتعمد حجب المعلومات أو تأخيرها، وفي ضوء ذلك تتخذ الاستجابة للحدث عدة مراحل بداية من الشعور بالصدمة والغضب، والذي يتم التعبير عنه في عبارات مثل: كيف حدث ذلك؟ ولماذا حدث ذلك؟، ثم تأتي مرحلة الإنكار أو عدم التصديق، يليها مرحلة الشعور بالذنب، ثم مرحلة الشعور بالعجز وشلل التفكير، وأخيرآ القبول بالأمر الواقع ومحاولة استعادة الثقة والقدرة علي التعامل مع المواقف الصعبة. خلال هذه المراحل السابقة تكون الأزمة قد نالت من »سمعة» الدولة أو الكيان المأزوم. إن مفتاح إدارة الأزمة بنجاح يكمن في فهم سيكولوجية الأزمة والجوانب النفسية التي يكتسبها الفرد من خلال التدريب والمحاكاة، ولا يمكن اكتسابها فقط من وضع الخطط النظرية والأدلة الإرشادية رغم أهميتها. وإذا حاولنا تطبيق ما سبق علي حالة الحادث الإرهابي في نيوزيلندا حيث قام أحد الإرهابيين من اليمين المتطرف باقتحام مسجدين في مدينة » كرايست تشيرش» وقتل وإصابة نحو مائة من المصلين المسلمين المسالمين. وأمام المحكمة اعترف الإرهابي أنه فاشي ويميني متطرف، وأنه قام بالتخطيط لجريمته منذ عامين، وظل ثابت علي آرائه المنحرفة وكراهيته للمسلمين وجميع المهاجرين وذوي البشرة السمراء، وزعم أنه سوف يحصل علي جائزة نوبل بعد انقضاء فترة السجن. إذن هو ذات فكر الإرهابيين علي الطرف الآخر الذين يصور لهم خيالهم المريض أنهم يحتكرون الحقيقة والإيمان، وأن أعمالهم الإرهابية سوف تقودهم إلي جنة الخلد والاستمتاع بالبحور العين. معني ذلك أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، سواء أكان الإرهابيون من الشرق أو الغرب، من المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، أو غيرهم من أصحاب الديانات غير السماوية أو من الملحدين. اتسم موقف نيوزيلندا عند التعامل مع الحادث الإرهابي بالثبات والعقلانية، فقد أدانت » جاسيندا أرديون» رئيسة الوزراء الحادث علي الفور، واعترفت بشجاعة بأنه حادثآ إرهابيا ومجرما، وقدمت الاعتذار ومواساة أسر الضحايا ووعدت بدعمهم بكل أشكال الدعم، واتخذت الحكومة علي الفور إجراء حاسم بحظر حيازة الأسلحة الآلية وشبه الآلية، وأصرت رئيسة الوزراء علي افتتاح جلسة البرلمان بتلاوة آيات من القرآن الكريم، وكانت تتشح بالسواد وترتدي الحجاب تعاطفا مع أسر الضحايا، وأشادت بشجاعة المصلين الشهداء، ونددت بسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت أن البلاد تقف إلي جانب الجالية الإسلامية، كما عبر المجتمع النيوزيلندي عن رفضه لإرهاب اليمين المتطرف بتنظيم مسيرة حاشدة تكريمآ لأرواح الشهداء وظهرت خلال الميسرة لافتات مثل : »أراد تقسيمنا لكنه جعلنا أقوي»، » أهلا بالمسلمين لا للعنصريين». لقد تعاملت حكومة نيوزيلندا مع الأزمة بمنتهي الحكمة، وكسبت رئيسة وزرائها احترام مليار ونصف المليار مسلم حول العالم. هكذا استطاعت الحكومة الرشيدة أن تجعل من المحنة الفاجعة منحة لاستعادة الثقة وكسب احترام العالم وتحولت الأزمة إلي فرصة للنهوض وتحسين الصورة الذهنية للدولة.. هكذا تدار الأزمات..