لا يمكن نكران أثر وسائل التواصل الاجتماعي علي الفرد والمجتمع، حيث قدمت للمستخدم مزايا اتصالية جديدة مثل: التفاعلية، والتمكين، والانتشار الفوري، وتفتيت الاتصال الجماهيري.
وهو ما لم يكن متاحاً في وسائل الاتصال التقليدية. وكما نعرف أن اللغة تؤثر في مضمون الرسائل، وتتأثر بالحراك الداخلي الذي يتطلبه مجال الارتقاء والتجدد، فيقع التأثير والتأثر، وقد أشارت دراسات عديدة حول اللغة العربية وعلاقتها بمواقع التواصل الاجتماعي أن اللغة العربية في هذه المواقع تعاني ثلاث مشكلات رئيسية: أولها تتعلق بمساحة انتشار اللغة العربية ونسبة استعمالها علي شبكات التواصل عموماً، وثانيها تتعلق بأشكال التواجد والحضور ومظاهره، وطبيعة خدمة هذه المواقع للغة العربية، وثالثها تتعلق بطبيعة استعمال اللغة العربية وتداولها من جانب المستخدمين العرب لشبكات التواصل الاجتماعي، ونشأة ظاهرة التهجين بين العربية والعامية، أو بين العربية واللغات الأجنبية. معني ذلك أن حضور اللغة العربية في شيكات التواصل الاجتماعي يعد حضوراً ضعيفآ مقارنة بعمق هذه اللغة وعراقتها والإمكانات التواصلية التي تتيحها، ويرجع ذلك لأسباب تعليمية ونفسية واجتماعية وتقنية لا يتسع المجال لسردها الآن، ولكن النتيجة الأكيدة أن التهجين اللغوي يعكس نوعاً من الاغتراب الثقافي الذي يؤثر سلبآ علي توافق الفرد مع محيطه وثقافته ولغته، حيث يضع التهجين الفرد في عالمين متناقضين، ويؤدي به هذا إلي هشاشة في التواصل، وبالتالي يجدر تدارك الوضع قبل استفحاله، لكونه يقضي علي المواطنة اللغوية، وخاصة آثاره السلبية علي لغة أطفالنا، وفيه تنازل ثقافي في الصميم، وهدم لدعائم هذه الأمة وهويتها واستقلالها. كذلك يتخذ التهجين اللغوي مظاهر عديدة، مثل كثرة اللافتات الأجنبية في المحال والشوارع والميادين، وأغاني” الفيديوكليب”، وهيمنة اللغة الأجنبية علي خطاب بعض النخبة، وتجسيد بعض الأسر لهذا الهجين في بيوتها، والعمل علي التفاخر به، وترك اللغة الوطنية بذريعة اللحاق بالعصر، وافتقاد المرجعية اللغوية الوطنية، والجري وراء المرجعيات الغربية. إذن هل من سبيل للعلاج؟، الإجابة بالقطع نعم. يقترح الدكتور صالح بالعيد خبير اللغة العربية من الجزائر صياغة مشروع عربي تتبناه جامعة الدول العربية لوضع استراتيجية شاملة للحفاظ علي أهم مكون جامع وهو المواطنة اللغوية، كما يمكن تنفيذ مقترحات عديدة مثل: نشر الوعي بخطورة التهجين اللغوي، وغرس ثقافة الاعتزاز بالعربية شفاهياً وكتابياً في كل المحال والمناسبات، وإعداد برامج تعليمية مبسطة لتيسير تعلم العربية لأهلها ولغير أهلها، وربط العربية بالمستجدات الحديثة، وتجسيد برامج حاسوبية لكل الفئات العمرية، وتجديد الكتب المدرسية لتنافس الكتاب الأجنبي في الشكل والمضمون، وعلي المدرسة أن تعمل علي إيجاد توازن يتيح للطفل أن يتعلم اللغة العربية كلغة معارف حديثة، وفي الوقت نفسه يتمكن من التفاعل مع مجتمعه ومحيطه باستعمال لغته العربية الأصلية التي تستطيع أن تستوعب الحداثة. وأخيرآ علي الإعلام أن يكون طرفاً فاعلاً في تقديم الحلول عن طريق التوعية بأهمية اللغة كوعاء شفاف لكل ذواتنا، وحث الجماهير علي النطق بالعربية السليمة، والعمل علي تهذيب ما هو خارج لغة التواصل السليمة، وعدم مجاراة السلوك اللغوي الغريب، وتخصيص برامج يومية وأسبوعية مع الخبراء والمختصين للتعريف بالمفردات والأساليب المستحدثة ومدي قبولها أو تعديلها أو رفضها، وحث وكالات الإعلان علي العناية بالجانب اللغوي في الإعلانات. وفي الختام، إن القوة اللغوية جزء لا يتجزأ من القوة الحضارية والتنمية الشاملة.. والله المستعان..