يمكن القول إن الجوانب الصراعية فى العلاقات بين العرب والدولة اليهودية، كانت واضحة ومحددة فى مسألة إنشاء وطن قومى لليهود على حساب الهوية العربية فى فلسطين، ويمكن بيانها فى إرجاع الصراع العربى الإسرائيلى الى اصوله التاريخية، لنجد أن منطوقه الصحيح هو الصراع العربى الصهيونى، وبالتالى يعد صراعا حضاريا بين قوميتين متوازيتين لا تلتقيان، القومية العربية وارتباطها بالهوية الاسلامية من ناحية والقومية الصهيونية وارتباطها بالتعصب والفكر الاستعمارى الاستيطانى التوسعى من ناحية أخرى. من هنا لم يكن صراعا مفتعلا بل تجسد إثر تراكم أطماع صهيونية فى حقبة تاريخية حتى قيام اسرائيل عام 1948، وما تلا ذلك من مواجهات عربية – إسرائيلية تمثلت فى اربع حروب ضمن حالة الصراع بين العرب واسرائيل، واذا كانت حرب اكتوبر عام 1973 التى تعد صفعة عربية للصلف والتكبر الصهيونى، وبعد مرور خمسة واربعين عاما على آخر مواجهة عسكرية مباشرة بين العرب واسرائيل، نلاحظ أن الاسرائيليين قد استفادوا من الدرس وقرروا نصب شرك للعرب يعتمد على تغيير شكل الصراع دون ان ينهوه من وجهة نظرهم!.
بالفعل وقع العرب فى شرك إمكانية التعايش مع الدولة العبرية باعتبارها أمرا واقعا ومعترف بها دوليا، وبالتالى يمكن ان تتحول اسرائيل الى كيان مسالم يتم قبوله فى المحيط العربى.
وعليه يصبح من الضرورى أن يلجأ المطبعون من العرب الى تحسين صورة إسرائيل فى الذهنية العربية، وحتى نصل الى هذا التحسين الذى يساعد على التطبيع، نؤكد ان اسرائيل استطاعت أن تروج لفكرة الصداقة الإسرائيلية ليس مع العرب ككل، ولكن مع الدول العربية – كل دولة على حدة – وهو نفس الاسلوب الذى لجأ اليه المستعمر القديم تحت مسمى سياسة «فرق تسد»، ودخلت اسرائيل الى المشهد العربى من أبواب العلوم والتكنولوجيا الاسرائيلية التى تفتح آفاقا للتعاون التقنى مع العرب، ولو عدنا الى مشروع شيمون بيريز الشرق الأوسط الكبير، نلاحظ ان ما تنفذه اسرائيل حاليا لا يعدو إلا أن يكون تطبيقا عمليا لما طرحه بيريز فى التسعينيات من ضرورة حدوث تزاوج بين التكنولوجيا الاسرائيلية والقدرات والثروات العربية!
خلاصة القول، إن محاولة لى الحقائق لن تغير من الواقع، الذى يقول إن الصراع مع اسرائيل ليس مشكلة مع الفلسطينيين، إنما هو صراع تاريخى وحضارى متعدد الاشكال ومع العرب قد تتلون اسرائيل وقد ينطلى على العرب معسول الكلام منهم، وقد ينخدعون فى بعض الاشخاص إلا ان الحقيقة التى لا يمكن غض الطرف عنها، أن قوة العرب كامنة فى كشفهم لمحاولات إسرائيل وغيرها فى استخدام العرب أنفسهم للقضاء على بعضهم البعض، وهذه التصفية العرقية أخطر ما قد يواجهه العالم العربى هذه الأيام، لو ظن للحظة أن الصراع مع إسرائيل قد انتهى!