بالأمس القريب.. وتحديدا في اكتوبر عام 2015 اعترفت انقرة بإسقاطها طائرة روسية من طراز سوخوي سو-24 بعد انتهاكها المجال الجوي التركي.. فيما أكدت روسيا أن طائرتها الحربية تحطمت في سوريا بعد إصابتها وهي تحلق على ارتفاع 6 آلاف متر بعيدا عن الأجواء التركية.. وحينها وصف الرئيس الروسي تلك الحادثة بأنها “طعنة في الظهر من شركاء الإرهابيين”.. ومن ثم تفاقمت الخلافات بين البلدين إلى حد التهديد بالحرب غير التقليدية.. وهو الأمر الذي كانت تترقبه واشنطن بقلق خوفا وحرصا على حليفها وشريكها في صناعة ونشر واستخدام الإرهاب العالمي من غضب الروس.
واليوم تبدلت المواقف بشكل مريب ويثير التساؤل لكل من يتابع تغيرات المسرح السياسي العالمي.. وذلك بعد إعلان شركة روستيخ الروسية استعدادها لتوريد مقاتلات من طراز “سو-35” لتركيا إذا رغبت بهذا العرض!!.. وهو ما اعتبره ترامب في “عرفه وقاموسه البلطجي” بـ “الطعنة غير المتوقعة من أحد صبيانه”.. خصوصا بعد تسلم أردوغان صفقة صواريخ طراز S-400 الروسية في 12 يوليو الجاري.. والذي برر موقفه بأنه اضطر لذلك حماية لبلاده من أي هجمات جوية بعد أن توقفت واشنطن لسنوات عن بيعها أنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت لأنقرة.
تبرير أردوغان لم يقنع بتقاربه مع الروس لم ينل إعجاب المتابعون لهذا الملف.. حيث أرجعوا هذا التقارب للدور الذي لعبته وكالات الاستخبارات الروسية في إنقاذه أردوغان شخصيا من محاولة اغتيال محققة بأوامر أمريكية صدرت لطائرات عسكرية تتبع “الناتو” أثناء الانقلاب العسكري ضده ونظامه عام 2016 من قبل الضباط الأتراك الموالين للبنتاجون.
وقد بدا ذلك مستساغا بعد اعتبار واشنطن أن S-400 صُممت خصيصا لإسقاط مقاتلاتها.. من طراز “JSF F-35” التي يتم إنتاجها بواسطة شركة لوكهيد مارتن وبمشاركة العديد من الشركات العالمية بينها مصانع تركية.. لذا هددت واشنطن بفرض عقوبات على أنقرة وطردها من الشراكة في برنامج تصنيع المقاتلة F-35… وفي المقابل أرادت موسكو على ما يبدو إذلال واشنطن أكثر فأكثر إثر الكشف عن رغبتها في أن تلعب أنقرة معها دورًا ما في المستقبل القريب لإنتاج نظام (اس 500).. بعد نقلها الجزئي إليها تكنولوجيا إنتاج نظام (اس400) التي سبق وباعتها للهند والصين.. وهذا الموضوع يطول شرحه وليس مجاله الآن.
ما لا يجب تجاهله فى سلوك النظام التركي الإرهابي ضد دول بعينها في المنطقة كالشقيقة سوريا والصديقة قبرص.. هو ما جاء على لسان الصحافي أوكان موديرس أوغلو الموالي للنظام الأردوغاني أنه “يمكن أن يتم نشر الصواريخ الروسية في قطر”.. وجميعنا يعي ويتابع الإجرام (الأمريكي- التركي- القطري) داخل بلداننا العربية!!.. وكذلك تصريح احمد برات تشونكار، نائب رئيس الفريق التركي في الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، لصحيفة “ازفستيا” الروسية عندما قال إن “الأكثر أهمية لنا هو تأمين الحدود الجنوبية والشرقية التي يخيم عليها الخطر الأكبر ولذلك قد توضع منظومات الصواريخ عند الحدود مع سوريا وقبرص الشمالية!!
ومع ذلك جاء الرد السوري على هذه الصفقة أشبه باللغز المحير بعدما قال السفير السوري لدى موسكو، رياض حداد: “في الوقت الحالي تركيا تؤدي دور دولة ضامنة في إطار عملية أستانا إلى جانب روسيا، وتنسق خطواتها مع القيادة الروسية. لهذا السبب يمكن القول إن هذه المسألة ليست في دائرة اهتمامنا”!!.. فيما أدانت قبرص عملية التنقيب التركية عن الغاز والبترول قبالة سواحلها، ووصفتها بـ”غير المشروعة وتمثل تصعيدا للانتهاكات التركية المستمرة”.. كما اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني في بيان إن “الاتحاد الاوروبي سيرد بالشكل المناسب، وهو متضامن تماما مع قبرص”.
تراكم وسرعة الأحداث السابقة ينبئ حقيقة بتغييرات جذرية في “العلاقات المُحرمة” بين (أنقرة وواشنطن وموسكو) خلال الأيام القليلة القادمة.. بدليل ما جاء أيضا على لسان الصحافي التركي مراد بردكشي في صحيفة “Haberturk” عندما كتب: “ثمة رمز في أن توريد إس-400 الروسية إلينا.. قد تم بتاريخ 12 من يوليو.. وهو ذات التاريخ من العام 1947 الذي وقّعت فيه تركيا والولايات المتحدة اتفاقيتهما حول المساعدة”!!
ختاما.. علي قيادتنا السياسية الرشيدة أن تنتبه وتتوخى الحذر من أشكال وأنواع السيناريوهات الظاهرة والخفية التي أعدت بالفعل أوتُعد حاليا للمنطقة برمتها على يد الروس وحلفائهم الجدد من ناحية.. ومن الناحية الأخري عدم إغفال ما يُشاع على ألسنة أيتام وأرامل القرد التركي أنه بعلاقته الحالية مع روسيا وعدائه الظاهر مع أمريكا يهيئ نفسه لكسب ثقة العالم الإسلامي وقيادته بواسطة تنظيمه الدولي لإخوان الشياطين ضاربا بعرض الحائط غضب الغرب والأمريكان من أنقرة كونها جزءا من “الأطلسي”.