غدا .. يسدل مخرجو «مسرحية كورونا» الستار.. ولن يطيلوا العرض أكثر من ذلك.. فالذين أطلقوا الفيروس حققوا ما يريدون.. وبدأوا جني الثمار اليانعة من دماء الناس وأموالهم وخوفهم ورعبهم.. «وإيه يعني فقدان مائة مليون مخلوق من بين ثمانية مليارات نسمة على كوكب الأرض؟» !!. فالمهم ان تمتليء بنوكهم وصناديقهم النقدية بالأموال والأنفس والأرواح.. وأن يزداد أغنياء الحروب غنى .. وأن يربح تجار الأدوية أضعافا مضاعفة.. و«كله قضاء وقدر» !!
التنظيرات المعلنة والمخبوءة .. والإشارات الواردة هنا وهناك بشكل خفي إلا قليلا.. تشي بالكثير من علامات التعجب، وتوحي بالمثير من الأمور الجدلية ، فيتأرجح اليقين المراوغ، ويتفرق دماء ضحايا الفيروس المصطنع بين الجدليات العقيمة.. وتستمر المعارك السياسة حول مصدر الفيروس متجاهلة المصيبة العالمية ليعود أصحابها سيرتهم الأولى.
غدا .. ستنتهي اللعبة.. وسنقول لبعضنا البعض: «كورونا مر من هنا» .. ولن يتغير شيء .. والذين يستبشرون بأن العالم بعد كورونا لن يكون قبل كورونا.. مغرقون في التفاؤل، ويصدقون أعضاء «حكومة العالم الخفية»..!.
(2)
هل نتذكر الصدمة الكبرى في الحضارة الغربية بقيام الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918 ) والحرب العالمية الثانية( 1939 – 1945) إذ كيف لهذه الحضارة بتجلياتها التكنولوجية والعلمية تصبح مثل القطة التي أكلت بنيها ، كانت خيبة أمل عالمية ، فلم تتغير السياسات إلا إلى الأسوأ والأبشع وازدا دالتوحش الدولي والصراعات الباطنة والظاهرة..
وها هو فيروس انطلق من إحدى المناطق ورأينا ولا نزال نرى الرعب والسكون والعزلة والانكماش والحجر والتحجر والجمود والتجمد ، وإن كانت الإستغاثة أكبر من الإغاثة، والتمثيل أكبر من الحقيقة، والأقنعة يتم ارتداؤها من ممثلي مسرحية كورونا، ثم ينزعونها ، بلا حيا ءأو خجل.
(3)
بالمناسبة ولأن الشيء بالشيء يذكر… هل تذكرون فيروس الجمرة الخبيثة بعد مهرجان 11 سبتمبر 2003 ( الكوميديا الأمريكية إياها)ذلك الفيروس الذي كان يرسلونه في مظاريف بريدية مغلقة…!!.
(4)
وإن تعجب فعجب أن ترى المسحة الرومانسية الإنسانية (!!) في عز عنفوان الأزمة الراهنة من قبيل:
الصين أرسلت شحنات أقنعة طبية لإيطاليا، كتب على الصناديق مقطع من قصيدة رومانية:
«نحن أمواج من ذات البحر ، أوراق من ذات الشجرة ، أزهار من نفس الحديقة»
مثلما حدث عندما تبرعت اليابان للصين واقتبست من قصيدة صينية:
«لدينا جبال وأنهار مختلفة، لكننا نتشارك ذات الشمس والقمر والسماء».
هل لهذه السماحة والطيبة والإنسانسة ظلالها وأصداؤها على أرض الواقع؟ أم هي مثل أحوال مدينة الميديا الفاضلة ( لاسيما الفيس والواتس وتويتر وماسنجر) حيث كل شيء رائع وجميل ومثالي، وتحت الأقنعة نيران على طريقة الوجودية الفرنسية« الآخر هو الجحيم».
(5)
الخطاب المجتمعي يتسم بالعاطفة الجارفة الشامتة أحيانا لكارثة كورونا . إذ يستقطب البسطاء الذين يتعلقون بأي شيء، على رأي المثل الشعبي «الغريق يتعلق بقشة» وهي مجرد اسقاطات لما يعتمل في بعض النفوس – مع ان الازمة لا علاقة لها بذلك، ولا يجوز ولا ينبغي، ومن ثم تحس فيه الشماتة، وهذه ليست من الأخلاق الإنسانية، في هذا السياق، أرسل لي قاريء كريم رسالة تحمل«بوست» ( انتشر منذ ايام بأسرع من انتشار كورونا نفسه ) بعنوان «لاتلعنوا كورونا..» لماذا..؟ إنه يقول: لا تلعنوا كورونا فلقد أعاد هذا الوباء الفتاك البشرية كلها الى إنسانيتها ،الى آدميتها ، الى خالقها ،الى اخلاقها ويكفيه فخرا انه اغلق جميع البارات والملاهي والكابريهات ونوادي المجون والرقص والشذوذ والقمار ودور الدعارة والبغاء وبلاجات العري حول العال.. وانه جمع العوائل ثانية في بيوتها بعد طول تفرق وفراق ..وانه اوقف القبل والتقبيل بين الجنسين والجنس الواحد..وانه دفع منظمة الصحة العالمية الى الاعتراف بأن تناول الخمور كارثة وعلى من لم يعاقرها يوما ان لايفعل ذلك ابدا.(هكذا يزعم !)
ويضيف صاحب الرسالة: يكفيه فخرا انه علم البشرية كيف تعطس ، كيف تسعل ، كيف تتثاءب (هكذا !!) وأنه حوَّل ثلث الانفاق العسكري حول العالم الى المجالات الصحية بدلا من العسكرية .. ودفع وزارات ومديريات الصحة العربية الى حظر تدخين النارجيلة واغلاق كافيهاته، و انه حد من الاختلاط المذموم بين الجنسين ،يكفيه انه اذاق وزراء ورؤساء دول بعضها كبرى وعرفها معنى الحجر والحجز وتقييد الحرية.. ودفع الناس الى الدعاء والتضرع والاستغفار وترك المعاصي والمنكرات، وانه قلل الى ادنى مستوى معروف من سموم المصانع التي لوثت اجواء الارض ، قتلت غاباتها ، لوثت بحارها ومحيطاتها ،اذابت جليد قطبيها ، غيرت مناخها ، وسعت ثقب الاوزون في سمائها واماتت الاحياء حول الكرة الارضية واصابتها بمقتل…(!).
وفيها أيضا.: ان ماتعيشه البشرية حاليا يشبه اجواء الحرب العالمية الاولى وانتشار الانفلونزا الاسبانية حين طغى الانسان وتجبر وظن نفسه انه قد خرق الارض وبلغ الجبال طولا فكان لزاما أن يؤدب وبحضرة خالق الكون أن يتأدب .. اليوم فقط ادركت – عمليا – كيف يمكن للبلاء الرباني وبأضعف جندي من جنده ان يكون خيرا للبشرية لا شرا لها ..فلا تلعنوا كورونا لأن البشرية بعده لن تكون كما كانت قبله إطلاقا.(!!!).
هكذا يختزلون الكارثة العالمية في هذا الأفق الضيق جدا.. والفقير فكريا وكونيا..!. وقد غلَّبوا اللامعقول على المعقول، وألغوا مبدأ السببية، وهو مبدأ منطقي وعقلاني، ومن ثم يتخبط التفكير السوي ذات اليمين وذات الشمال إلى أن يتلاشى فتحدث البلبلة وهو ما نراه الآن ، وستنكشف حقيقته غدا..
(6)
مذا تقول اللحظة الكورونية الراهنة ؟. هذا السؤال صار متأخرا الآن لدى اللاعبين على مسرح كورونا، إنهم مشغولون بـ ( ما بعد كورونا) .. فقد استطاع فيروس كورونا أن يخرج ثعلب السياسة الأمريكية« د. هنري كيسنجر» وزير الخارجية الأسبق، وأحد أشهر منظري النظام العالمي ومؤسسيه الذي ينضوي تحته العالم منذ عد السبعينيات من القرن الماضي، وقد تهرأ الآن، باعتراف كيسنجر ولم يعد يصلح بسبب الفيروس الكوني العابر للقارات والأجسام والأفراد والدول والشعوب والزمان والمكان والإنسان والذي ينتقي من ينفذ فيه من سكان كوكب الأرض (!!) .
رأى وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، في مقالٍ له بصحيفة وول ستريت جورنال، وترجمته جريدة الرؤية – أنّ «جائحة كورونا ستغيّر النظام العالمي للأبد» وما ذلك بصحيح على إطلاقه ، انه اعتراف من كيسنجر بهزيمة القوى العظمى في إدارة العالم، فهو نفسه غير قادر على النفاذ برؤيته الى الغد إذ قال «إنَّ الجدلَ الدائر حول مرحلة ما قبل كورونا يُعيق بصورة رئيسية ما يجب القيام به في الوقت الراهن». (ولهذا مقال قادم، فما قاله ذلك الثعلب العجوز لا يمكن أن يمر مر الكرام..!.) .
(7)
ترى هل من قبيل المصادفة .. أن تتزامن أطروحة كيسنجر التي أشرت اليها بسرعة مع الاستقصاء الذي قدمته مجلة فورين بوليسي الأمريكية حول شكل العالم ما بعد كورونا واستقطبت آراء 12 مفكرا وأكاديميا من أكثر من جهة في العالم.. ؟؟؟
سؤالي أيضا غير بريء…! والى الملتقى إن شاء الله.