منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أعكف على الانتهاء من تأليف كتاب؛ تلعب فيه الأسرة القطرية دوراً مهما في طعن الأمة بخنجر الغدر والخيانة مع أعداء الأمس واليوم.
أثناء بحثي الدءوب في هذا الملف، لفت انتباهي موقف المحروسة ( الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ) مع الدوحة بتاريخ 16 يوليو من عام 1971، عندما أمر – رحمه الله وأسكنه فردوسه الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء – بأهداء قطر طائرتين حربيتين، لتكون نواة لسلاحها الجوى.
الكلام دا معناه إيه بقي؟!.. معناه إن تاريخ قواتنا المسلحة المُشرف من شعوب بلداننا العربية مجتمعة، كان وما زال وسيظل كما هو ولن يتغير موقفها من الأشقاء رغم مؤامرات الأمير القطري ووالديه مع الأعداء ضد مصر وقياداتها، بعكس جيوش دول أخرى كـ “تركيا” التي تعيث في أرضنا العربية: سوريا والعراق وليبيا الآن فساداً.
ولأن الأمير القطري له ولوالديه أهدافهم وعلاقاتهم المشبوهة بأعداء الأمة ودعم الإرهاب لتخريب المنطقة ضمن مخطط مكشوف ومفضوح لصالح الصهاينة، فقد نسوا أو تناسوا ربما الحسنة وقابلوها بالإساءة ونكران الجميل حقدا على الشقيقة الكبرى مصر، وذلك بوسائل عديدة، منها سياسية ومنها إعلامية عبر وسائلهم المحرضة، ومنابر فتنتهم على مواقع التواصل الاجتماعى.
هذا هو الموقف المصري قبل الاعلان عن اكتشاف النفط، فلم تعتبره مصر مِنة أو فضل على الدوحة، بل كان واجباً مفروض عليها نحو دولة عربية شقيقة، أما الموقف الثاني، كان عام 1965، أي في عهد “ناصر”، وذلك عندما أرسلت مصر لقطر 20 ألف طن من الحبوب والقمح، كمساعدات غذائية، فى وقت كانت تعانى فى الدوحة من أزمة غذاء طاحنة.
نضف إلى ما سبق، موقف ثالث، فقبل إعلان استقلال قطر، بادر “ناصر” بإرسال مئات: المدرسين والأطباء والمهندسين للعمل فى القطر الشقيق لينهض شعبها كبقة دول المنطقة، مع تحمل مصر دفع رواتب أبنائها حتى لا يبادر بعض أصحاب النفوس الـ “…….” ويتلفظ بكلام لا قيمة له.
وللأسف الشديد، قابلت الدوحة مواقف مصر وجهودها المخلصة معها بالغدر، وقد ظهر ذلك جليا حينما أعلن حكامها مقاطعتها للقمة العربية التى عقدت فى أواخر ستينيات القرن الماضي بمصر، فحزن “عبد الناصر” حزناً شديداً.
وفى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات – رحمه الله وأسكنه فردوسه الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء – ورغم الدعم العسكرى المصرى للدوحة، لم يتغير غدر حكامها ، فقد ساءت العلاقات بين الجانبين خاصة عقب توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”.
باختصار شديد، إذا عدنا للخلف قليلاً، فسنجد تاريخ حكام قطر ملوث ببث الفتن وشق الصف العربي والتغريد دائمًا خارج الإجماع العربى، فالكثير من المواقف التى صدرت عن حكام هذه الإمارة الحديثة يصب دائما وأبدا فى هذا الاتجاه.
في المقابل، نجد رجالاً وهامات عربية تصدت لهذه “البذاءات” بقوة وحزم، أبرزهم الشيخ زايد آل نهيان – مؤسس الإمارات وصانع نهضتها، رحمه الله وغفر له وأسكنه فردوسه الأعلى مع النبيين والصديقين.
مواقف حكام الدوحة في عهدي: “عبد الناصر” و “السادات” كانت محل نقد وهجوم من ملوك وأمراء ورؤساء عرب يتقدمهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي هاجم الدوحة بسبب بذاءتها ضد مصر فى أثناء فترة ما بعد حرب أكتوبر 1973، و للشيخ زايد موقف إيجابي معروف ومُشرف من هذه الحرب التي أعادت للعرب كرامتهم وعزهم، ابتداء من خلال قراره التاريخي بقطع البترول عن الغرب، مرورا بدعمه المادي والمعنوي لمصر في هذه الفترة، ختاما بدوره الكبير في عودة مصر للجامعة العربية بعد انقطاع طويل، بشهادة الكاتب والمفكر الإماراتي الكبير، وعاشق تراب مصر، الأستاذ.على محمد الشرفا الحمادي، وحينها يبدو أن الدوحة كانت تحاول دس السموم بين دماء العرب كما تفعل الآن، ولكن كانت أفعالها مكشوفة ومفضوحة، وقد اتضح ذلك حينها خرج وزير الخارجية القطرى آنذاك بسيل من التصريحات – التى دس فيها سموم حكامه – بهدف شق الصف العربى، فجاء رد الشيخ زايد آل نهيان على تلك التصريحات، قائلاً: “إنه لا يمكن مقارنة شعب يبلغ 65 مليون نسمة بسكان فندق واحد”.
هذا الموقف الحاسم والحازم من مؤسس دولة الإمارات الحديثة أكد أن منطق التطرف وتبنى العنف فى التعامل مع قضايا المنطقة مرفوض ولا يمكن القبول به حتى لو صدر من دولة “من المفترض أنها شقيقة”، وأنه يجوز التجاوز عن أى أخطاء بين الأشقاء إلا التطرف والسعى للتخريب أو حتى التطاول على مصر.
عزيزي القارئ، إقرأ أيضا هذه المقولة: “ما تقوم بهِ مصر نحو الإمارات، هو نقطة ماء فى بحر مما قامت بهِ مصر نحو العرب”، تلك الكلمات العظيمة كان يرددها دومًا الشيخ زايد، منذ ربط بين البلدين حبل وثيق من العلاقات، بدأ مع حرب أكتوبر ١٩٧٣، عندّما دعم مصر فى حربها ضد العدو، ومرورًا بعلاقاته التاريخية مع رؤساء مصر فيما بعد كالرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وظل هذا الوفاء وتلك العلاقت مستمرة حتى يومنا هذا بين أبناء الشيخ زايد والرئيس عبد الفتاح السيسي في مجالات عدة ومستقبل واحد مشترك، ولذلك كان “السيسي” واعياً حينما قال أن” أمن الخليج من أمن مصر، وأن مصر على أهبة الاستعداد للدفاع عن “أشقائها” في الخليج حال تعرضهم لـ”تهديد مباشر”، وأن الجيش المصري سيكون في “مسافة السكة” حال تطلب الأمر، مؤكدا أن القوات المصرية العسكرية هي “جيش كل العرب.”
أما عن علاقة الشيخ زايد مع مصر، فقد بدأت منذ عهد “عبدالناصر”، فقد جمع حلم الزعامة بين الرئيسين، ورفعا معاً شعارًا واحدًا هو “القومية العربية”؛ وبدأت بعثات المدرسين والمهندسين والأطباء الذهاب إلى الإمارات فى منتصف خمسينيات القرن الماضي، أي قبل ظهور النفط فى البلاد، انطلاقًا من دور عروبى وإنسانى؛ وفى إبريل ١٩٧١، أهدى الشيخ زايد وشاح “آل نهيان” للرئيس الراحل محمد أنور السادات أثناء زيارته للقاهرة، وكانَ “السادات” يرى فى الشيخ زايد الصديق الوفى والموثوق، وأنه حلقة الوصل بين جميع القادة العرب ومصر، خاصة بعد توتر العلاقات المصرية بقادة الدول العربية عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
أما في السنوات الأخيرة، فلم يتوان حُكام قطر فى دعم الإرهاب الإخواني داخل مصر، خاصة بمناطق شمال سيناء، وذلك بعد سقوط النظام الإخوانى الموالين لهم، إضافة إلى تحريضهم لحكام إثيوبيا بخصوص سد النهضة، ثم موقفهم الداعم لأعداء مصر وعلى رأسهم تركيا في قضايا مصيرية تخص أمننا القومي في القلب داخل ليبيا وسوريا، حتى فاض الكيل وطفح.
ومن ثم أعلنت القاهرة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة فى ظل إصرار حاكمها “تميم” على اتخاذ مسلك معادى لمصر، وقد فشلت كافة المحاولات المخلصة لإثناء حكام قطر يتقدمهم “تميم” عن دعمهم التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الإخوان الإرهابي، وإيواء قياداته الصادر بحقهم أحكام قضائية فى عمليات إرهابية استهدفت أمن وسلامة مصر.