يحتاج العمل في انتاج الأخبار وعموما في العمل الاعلامي والصحفي الى اقتناع واستيعاب الاعلامي لمجموعة من القيم الاخبارية أو المهنية التي تسمى News Values وقد قمنا بعرضها من خلال هذه الدراسة في الاجزاء السابقة واكتشفنا الحقائق التالية :
اولا: ان جميعها مذكوره في القرآن الكريم – مفردات ومعنى- منذ اكثر من 1400 عام .
ثانيا : ان الالتزام المهني بالقيم الاخبارية أو التحريرية ساعدت على تطبيق المعايير العلمية السليمة على مادة الخبر لانجاز الاختيار السليم لسلم الاولويات في انتاج الأخبار .
ثالثا: جاء ذلك من منطلق فهمنا لفكرة التيقن في الخطاب القرآني وكذلك فهمنا لفكرة التبين او التحقق من صدق الخبر.
وهكذا نصل الى النبأ اليقين الذي يعتبر الخبر الصادق والمهني فالصدقية جاءت من الوصول الى حالة اليقين والمهنية جاءت من مراعاة التدقيق والتأكيد بالتبين !
ويقول الله سبحانه وتعالى :
هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴿١٣٨ آل عمران﴾
وتفيد مفردة( بيان) هنا الحقيقة فاذا لم تكن حقيقة فلن تكن بيانا ولن توجه بالتالي للناس وعليه يصبح البيان في الاجمال الخبر الصادق القادم الى المتلقي من مصدر موثوق به مابالك اذا كان هذا المصدر هو الله رب العالمين .
ويعتبر الخبر كمادة منقولة من محرره أو قارئه معلومة جديدة تصل الى جمهور المتلقين وهو امر تحدث عنه القرآن الكريم في سورة الرحمن الاية (4) :
في قوله: ( عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) قال: تَبَيَّنَ له الخيرُ والشرّ، وما يأتي، وما يدع.
وقال آخرون: عنى به الكلام: أي أن الله عزّ وجلّ علم الإنسان البيان.
والعلم بالاشياء غاية تساعد المرء على المضي في حياته ساعيا للتطور والتقدم ونجد انه بدون ان تتعلم كيف تعلم تضل طريقك وهو امر نهى عنه الله سبحانه وتعالى لانه طريق الجهل والجهالة وهنا يقول الله سبحانه وتعالى:
{قَالَ إنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف: 23]
بعد ما تقدم نقول اذا كنت تتابع نشرة من نشرات الأخبار ولم تخرج من المتابعة بمعلومة أو معلومات جديدة فهذه نشرة غير مهنية والاخطر من كل هذا اذا كان صانعوها يستهدفون تضليل المتلقي ببث الشائعات والأخبار الكاذبة وعرض الفيديوهات الخطأ أو الصور المركبة أو كما يقولون photo Shop حيث ساعدت التقنيات الحديثة في مجال المونتاج على تزييف الرسالة الاعلامية وهو امر غير قانوني وغير اخلاقي ان توظف الادوات المهنية في انتاج اعلام متدني أو غير مهني حيث تقوم بعض القنوات المأجورة بهذا الفعل !
ومن دلائل أهمية الخبر ما نستوعبه من سورة الكهف عندما يكون خرق السفينة هو قمة النجاة
وعندما يكون قتل الغُلام هو قمة الرحمة
وعندما يكون حبس كنز اليتيمين هو قمة الوفاء
فلا تعجز في أن تصبِر علَى مٓا لمْ تُحِط بهِ خُبرا
وهكذا نرى ان ما لم تحط به خُبرا .. يدفعنا الى نشر الخبر الصادق حيث يصبح مهما في صناعة وعي المتلقي حتى يدرك حقائق الاشياء …
ان الصدق قيمة اخلاقية مهمة في الاعلام تحدث عنها القرآن الكريم
في سورة الأحزاب حيث قرن الله -سبحانه وتعالى- الصدق والأعمال الصالحة بالمغفرة والأجر العظيم، قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}،[٩]
في ضوء ما تقدم نرى ان ثقافة اي امة مرتبطة بمجموعة القيم الاخلاقية التي يتم تنشئة الاجيال في اطارها من خلال الاعلام والتعليم والأسرة التي تعتبر الخلية الأولى في اي مجتمع وفي الاعلام نحاول حصر القيم التي يجب ان يلتزم بها الاعلامي أو الصحفي من خلال مايسمى بمواثيق الشرف الاعلامية وتنقسم الى نوعين من القيم :
1) قيم اخلاقية مثل الصدق والامانة ومراعاة الضمير وهي ما نطاق عليها اخلاقيات المهنة .
2) قيم مهنية مثل الدقة والموضوعية والشفافية والتوازن والتنوع والحيادية والمصلحة العامة .
ويعد التوظيف المازج بين النوعين من القيم هو الاساس الذي يبنى عليه اي ميثاق شرف اعلامي يحدد السلوك المهني الصحيح وقائمة الحقوق والواجبات التي تحكم اداء الاعلامي في المؤسسة أو الوسيلة التي يعمل بها .
اضف الى ما تقدم انه يجب ان يكون لدى الاعلامي ميثاق شرف داخلي نطلق علية الضمير المهني أو الامانة المهنية تكون بمثابة الموجه له والهادي للطريق والنهج الصحيح واتساءل كم من إلاعلاميين لهم مثل الميثاق الداخلي وكم من المؤسسات الاعلامية التي تلتزم بتطبيق سياسة تحريرية محكومشة بميثاق شرف اعلامي ؟!
ولهذا بعد رحلة تقترب من الاربعين عاما في الاعلام والصحافة ثثانصح طلاب الاعلام وشباب إلاعلاميين قبل ان ينخرطوا في سوق الاعلام ان يتعلموا قيم واخلاقيات مهنة الاعلام سواء كنت محررا أو مخرجا او مذيعا أو مراسلا أو مصورا أو معدا أو مقدما للبرامج !