قدر الشعب المصري جعله الله دائما في موقف الدفاع عن قيم العدالة والمثل العليا، وحماية الامن الوطني، والمحافظة على استقرار الوطن وتأمين حدوده.
وقد اتخذت مصر مساراً تاريخياً في وقوفها مع أشقائها في كل أزماتهم، وتتكاتف معهم في مواجهة أي تهديدات لأمنهم بكل الإيمان بوحدة المصير المشترك للعرب جميعاً.
مصر قدمت التضحيات بالمال، والأرواح، والدعم الدبلوماسي، والدفاع عن مصالح الدول العربية في كل المحافل العالمية، فهل وقف العرب بنفس القدر والمسئولية مع جمهورية مصر العربية عندما يتم تهديد أمنها وسلامة أراضيها….؟!.. الإجابة على هذا السؤال المفصلي:
– كلا وألف كلا، لم يكن المقابل من الدول العربية لرد الجميل لمصر كما يجب أن يكون، فمن وقف مع دولة اليمن منذ سبعون عاماً لمساعدة الشعب اليمنى لتحريره من ظلام القرون الوسطى….؟!.. ومن الذى وقف مع الكويت أيام تهديد رئيس العراق عبد الكريم قاسم لها….؟!.. ومن وقف مع الشعب الفلسطيني منذ سنة ١٩٤٨م وحت الآن دفاعا عن قضيته، واسترجاعاً لأرضه….؟!
ثم ألم تكن مصر هي رأس الحربة في تحرير دولة الكويت، إضافة على إرسالها البعثات التعليمية التي أرسلتها لدول الخليج على حساب ميزانية الدولة المصرية….؟!.. وهنا نطرح سؤلاً آخر:
-ماذا حصدت مصر إزاء تلك المواقف المُشرفة غير الجحود من البعض، بل تخطى ذلك مراحل متقدمة جداً من العداء السافر، ودعم فرق الإرهاب، والمجرمين، بالمال والسلاح لتهديد الأمن الوطني المصري، وقتل أبنائها كما تفعل دويلة قطر دون أي مبرر منطقي….!!
فكم تلقت مصر من ضربات، وواجهت حروباً اجتمع عليها بعض الدول الأوروبية، وإسرائيل في حرب عام 1956م جزاءً لمواقفها لصالح القضية الفلسطينية، ثم في لحظة فارقة، وظروف عابرة، وخيانة غادرة، قامت إسرائيل باحتلال أرض سيناء، وانهاك الجيش المصري في هزيمة غير منصفة لم تتح للجيش المصري ممارسة حقه في الدفاع عن وطنه، فاجتمعت على مصر الصهيونية العالمية، ومن يدور فى فلكها لإحباط معنوياتها، وازاحتها من طريق الحلم الاسرائيلي لإقامة دولته من “النيل إلى الفرات”…..!!
ولم يفت في عضد الشعب المصري، وجيشه البطل الاستسلام، وقررت قيادته، والشعب من خلفها خوض ملحمة النصر، فإما حياة مُشرفة وكريمة، وإما الشهادة في سبيل حماية الوطن، والدفاع عن حقه، فكانت حرب اكتوبر المجيدة استجابة للتحدي المصري ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكانت أمريكا بكل قدراتها التكنولوجية، والحربية والأقمار الصناعية مسخرة لدعم إسرائيل في حرب اكتوبر ١٩٧٣م.
وأذكر عندما زار الإمارات المرحوم البطل محمد أنور السادات، مُفجر حرب اكتوبر في لقائه مع المرحوم الشيخ زايد، وكنت حاضراً ذلك اللقاء بعد حرب اكتوبر مباشرة، قال المرحوم الشيخ زايد:
-“لم نكن نُحارب إسرائيل وحدها، ولكننا في الحقيقة، كنا نُحارب أمريكا بكل قدراتها العسكرية، ورأينا كيف كانت تحمل الطائرات الأمريكية سي ١٣٠ الدبابات، وتنزلها على الأرض للجيش الاسرائيلي، وكانت تلك الدبابات مُحملة بكل عتادها المتطور، لتذهب مباشرة إلى ميدان المعركة، علاوة على تزويد أمريكا لإسرائيل بكل المعلومات الهامة عن مواقع الجيش المصري من الاقمار الصناعية”.. وهنا نطرح سؤلاً مهم:
-كيف كان الموقف العربي مع مصر أثناء حرب اكتوبر…..؟!.. الإجابة على هذا السؤال تتطلب منى أنا شخصياً أن أكتب شهادتي للتاريخ، حيث أنني كنت مديراً لديوان الرئاسة فى عهد المرحوم الشيخ زايد، ورأيت هذا المشهد من كل جوانيه، وبكل الوضوح، فلقد كان الشيخ زايد هو الوحيد من القادة العرب المتحمس – بكل الاخلاص – ولديه الاستعداد لاتخاذ أي موقف مهما بلغت خطورته لدعم الشعب المصري، وقيادته إيمانا صادقاً منه بوحدة المصير العربي المشترك.
ولذلك كان الشيخ زايد هو المبادر، كأول رئيس عربي يتخذ خطوة جريئة وشجاعة بإعلانه قطع البترول عن أمريكا، والدول الغربية، وكان هذا الموقف له أكبر الأثر في الضغط على القوى العظمى باتخاذها القرار رقم (٢٤٢) في مجلس الأمن الذى أوقف الحرب، ويقضي بانسحاب إسرائيل إلى ما قبل حدود ١٩٦٧ م.
وقبل ذلك قام الشيخ زايد رحمه، بأخذ قرض من بنك ( ميد لند ) البريطاني بمبلغ يتجاوز الخمسة وعشرون مليون جنيه استرليني لدعم القوات الجوية المصرية اثناء حرب اكتوبر 1973، وقد شهد بذلك المرحوم الرئيس محمد حسنى مبارك أثناء لقائي به في بيته بمصر الجديدة بعد وفاة المرحوم الرئيس محمد أنور السادات، حيث نقلت له تعزية الشخ زايد، وحينها قال لي الرئيس مبارك:
-“لا أعرف كيف أنقل مشاعر التقدير والشكر للشيخ زايد، حيث كان دعمه المالي جاء فى وقت نحن أحوج إليه لشراء بعض قطع الغيار للطائرات الحربية”.. الرئيس مبارك قال لي هذا الكلام بوصفه كان قائد القوات الجوية اثناء حرب اكتوبر.
وظلت مواقف الشيخ زايد، النابعة من إخلاصه وايمانه بوحدة المصير العربي، وكان هو الوحيد من بين كل القادة العرب متميزا في مواقفه المُدركة لأهمية جمهورية مصر العربية، ودورها التاريخي في مواجهة العدوان من أي مكان على الأمة العربية، كما كان الشيخ زايد يعتبر مصر وقواتها المسلحة وشعبها، رصيداً قومياً للأمن القومي العربي، فلم يفعل بقية الأشقاءً العرب، ولن يفعلوا بنفس التجرد الذي اتخذه الشيخ زايد في كل مواقفه مع مصر، وهنا نطرح السؤال التالي:
-ماذا نرى من الإخوة الفلسطينيون غير اختراق الحدود المصرية بواسطة آلاف الأنفاق، وتهريب الإرهابيين، وطعن الشعب المصري، الذى ضحى بدماء أبنائه من أجل القضية الفلسطينية، حتى أصبحت غزة المجاورة للحدود المصرية مرتعاً للإخوان الإرهابيين، وقاعدة ينطلق منها المجرمون لقتل أبناء الشعب المصري….؟!
ذلك هو رد الجميل من الإخوة الفلسطينيين على سبيل المثال لا الحصر، وهو أمر مُؤسف ومُحزن، ومثل هذا الواقع المرِير؛ جعل مصر لا تعول إطلاقاً على أشقائها.
يحضرني في هذا السياق، ما فعله أشقاء سيدنا يوسف به….!!.. ألم يرمونه في البئر….؟!.. نعم فعلوا.
لكل ما سبق، وما سيأتي، ستظل الإمارات كما أسسها المرحوم الشيخ زايد، وفية لمبادئها التي غرسها في قلوب أبنائه، يتقدمهم الشيخ خليفة بن زايد، وولي عهده الأمين الشيخ محمد بن زايد – الذي تولي الإشراف الكامل على العلاقات المصرية – الإماراتية، وتحقيق التلاحم الأخوي بين الدولتين: مصر والإمارات – في استكمال مسيرة القائد المؤسس، وتنفيذ مبادئه المُشرِفة.
ختاماً، حفظ الله مصر، وسدد خطى قيادتها، وإنها لمنصورة إنشاء الله على قوى البغي والعدوان، وسحق الله الشراذم من الإرهابيين، ومن يقف خلفهم من: الخونة، والعملاء، وأعوان الشيطان، يقول سبحانه وتعالى: ” أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”.. ( سورة الحج.. الآية – 39 ).