رد رئيس جمهورية لبنان بشكل قاطع وسريع وحاسم على سؤال الصحافة، إلى أين نحن ذاهبون؟ فقال: إلى جهنم!!!, وهذا الجواب يختصر المشهد اللبناني برمته.
عاث المسؤولون اللبنانيون بعد انتهاء الحرب بكل مقدرات الوطن، وتقاسموا فيه كل شيء، من المذاهب، إلى المناطق، والوزارات، ومقاعد النواب، والوظائف، ودوائر الدولة، والمشاريع والتعهدات، والتعليم، والطرقات، والوكالات الحصرية، والبنوك، والولاءات الخارجية، وحتى زعامات الأحياء والزواريب.
سرقوا الملايين والمليارات من مال الدولة والناس، فتعبت خزائنهم وحساباتهم البنكية الكثيرة في لبنان والخارج من المال، وهم لم يتعبوا من الإختلاس، ولا من الكذب على الشعب.
قالوا الكثير؛ ومجلدات من الخطابات والتنظير والوعود بالاصلاح والتغيير، ومحاربة الفساد والطائفية، ونادوا بالعدالة والمساواة وحقوق الانسان، أما النتيجة فشيء واحد: دَين بالمليارات، وبلد مفلس، وشعب يائس ينتظر على أبواب السفارات أو يرمي بنفسه في مغامرات عبّارات الهجرة وخطر الموت، جوعاً وعطشاً وغرقاً في البحر.
مواكب المسؤولين الفاخرة في لبنان لا مثيل لها في العالم، والكراسي مرصّعة بأوراق الذهب.
منذ ١٧ تشرين الأول العام الماضي، أقفلت البنوك أبوابها في وجه المودعين، ضاربة بالقانون عرض الحائط، وهذه ليست سمة أصحاب البنوك وحسب، بل هي سمة عامة لكل اللبنانيين، لا بل هي مصدر مباهاتهم وعباراتهم الشهيرة «مش عارف حالك مع مين عبتحكي» !!!
انفجر المرفأ وجاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمساعدة في وقف انهيار لبنان، فاسمع المسؤولين عندنا كلاماً حكيماً، وسمع منهم كلاماً طيباً، وانجزوا فوراً وبسرعة ما يبرعون به، أي «إسقاط الحكومة». أما في شق التأليف المتعثر للحكومة، فيبدو أن ما فات ماكرون، هو أن اللبنانين يرون بعين واحدة، ويسمعون بأُذن واحدة، وحتى هم يعشقون ذلك، ويكفي أن تسمع محطات التلفزة اللبنانية، لتعلم دون عناء، أنها مخصصة للتعبير عن وجهة نظر حزبية أو طائفية، وفي أفضل الحالات إعلان سياسي موجّه ومدفوع.
أما الشعب فليس بأفضل حالاً من مسؤوليه، فعندما تقود سيارتك على الطريق، ستجد نفسك كمن دخل حلبة مصارعة، وقد يُرمى بك في أية لحظة من فوق الحبال إلى جانب الطريق، أو قد تسقط بالضربة القاضية. فاللبنانيون على عداء مع القانون، الذي أصبح تطبيقه مدعاة سخرية ودليل ضعف، والوساطة لديهم اُسلوب حياة، يصعب الإستغناء عنه، ليس في الوظائف وحسب، بل حتى لو أردت الذهاب إلى غداء في مطعم صغير، وربما في سوق البقالة أيضاً قد تحتاجها، فالأسعار تختلف من زبون لآخر.
أما وسائل التواصل فهي حفلات جنون بامتياز، تتدرج من الصداقات الوهمية وحفلات التكاذب الجماعي، إلى عباقرة الشتائم وجهابذة السباب، إلى جيوش الطوائف الالكترونية، العاملة على التحريض المذهبي، وبث الإشاعات ومهاجمة أي رأي مخالف لما يعشقون سماعه من كذب وأوهام.
نعم إنها حفلة شاي أسود في جهنم، أسكرت الشعب والمسؤولين معاً، فدمروا الوطن، وخنقوا صوت الحرية، وقرعوا طبول عقول جوفاء، ونفخوا في أبواق الحقد والكراهية الطائفية، وراحوا يرقصون جميعاً على أشلاء الوطن.
وبعد هذا كله هل يمكن لي أن أستغرب أن يعمد هـؤلاء الظلاميون، القاصرو البصر والبصيرة، إلى مهاجمة موقع حر ومستقل كموقع الثائر ؟؟؟.
لا عجب أن يعمد من يرى بعين واحدة ويسمع بأُذن واحدة، إلى محاربة موقع إعلامي موضوعي ومتنوع كموقع الثائر. فمن اعتاد العبودية، يصعب عليه أن يسمع صوت الأحرار، ومن يعشق الكذب والتضليل، يصعب عليه أن يسمع صوت الحقيقة.
لن نكون تابعين لأحد، ولن ندخل متاهة أصحاب العقول الصغيرة، ولن نتوقف عن قول كلمة الحق، وسنبقى صوتاً للحرية والتنوع والموضوعية.
سنبقى صوتاً وطنياً فوق التعصب والتمذهب، وستبقى “الثائر” منبراً لبنانياً مستقلاً، ملتزماً بقضايا الشعب والوطن، ونكشف زيف المرائين، لأي جهة انتموا ومهما علا شأنهم، ولن نشارك في حفلات الشاي الأسود، التي يقيمها البعض في الغرف المغلقة أو على وسائل التراشق الاجتماعي.