هل ينزوي التلفزيون التقليدي؟ أو بالأحري، هل يتقلص حجم المشاهدة التقليدية للدراما والترفيه عبر التلفزيون لصالح ظاهرة “المشاهدة الشرهة” التي تنتشر باطراد عبر منصات الترفيه الرقمية؟. تؤكد الشواهد حدوث ذلك بأسرع مما نتصور. كان التلفزيون معظم القرن العشرين هو الوسيلة الأكثر استحواذا علي عقول وأفئدة الجماهير، فهو مصدر المعلومات الأساسي الذي يحيط الناس علما بما يحدث في البيئة الداخلية والخارجية، نلتمس منه المعلومات التي تساعدنا علي حياة أفضل في شئون حياتنا، وما يجب أن نفعله أو نتجنبه، وتوجيه سلوكنا الشرائي والانتخابي، والتأكيد علي المعايير الاجتماعية من القيم والعادات والتقاليد وأنماط السلوك، والتمييز بين الصواب والخطأ، وتفسير الأحداث الجارية، وتحقيق الترابط بين فئات المجتمع وأطيافه حول القضايا الأساسية ومقتضيات الأمن القومي، وتسليط الضوء علي القضايا التي تهم المجتمع بما يساعد علي تشكيل الرأي العام وتطويره لما يخدم القضايا الوطنية، ونقل التواث الاجتماعي عبر الأجيال لمزيد من التماسك المجتمعي، وتكوين طقوس يومية للمشاهدة التلفزيونية المنتظمة التي يحرص عليها كثير من الأسر والأفراد، مثل الاعتياد علي مشاهدة نشرة أخبار التاسعة مساء، والحرص علي متابعة مسلسل تلفزيوني في الأوقات المحددة علي خريطة البث المرسومة سلفا. الملاحظ الآن أن هذه العادات والأنماط الاتصالية تتغير تدريجيا لغير صالح التلفزيون بفضل انتشار تقنيات العرض الجديدة والتي نتج عنها ظاهرة “المشاهدة الشرهة” عبر قنوات جديدة غير شاشة التلفزيون مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية التي تستقبل المحتوي المتاح علي منصات الترفيه الرقمية، وهو ما يتيح للمتلقي المشاهدة المتصلة لفترات طويلة دون انقطاع كبديل لشاشة التلفزيون التقليدية. لقد أفرزت التطورات التكنولوجية الحديثة منذ تسعينيات القرن الماضي ثورة حقيقية في عالم الاتصال الترفيهي، وأحدثت الشابكة ” الإنترنت” نقلة نوعية في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمهنية وجميع مناحي الحياة اليومية للأفراد، ومع الانتشار الواسع للشابكة وتعدد استخداماتها، بدأت تظهر تأثيراتها علي معايير وقيم وسلوكيات المستخدمين لها .
وللحديث بقية…