نولد مجبولين على الخير، على الحب و الفرح، على الأمل، فيصورون لنا الواقع غولا يتغذى على الأحلام، نتعلم النحيب قبل أن نتعلم الكلام، نذوق مرارة السقوط قبل أن نحسن الوقوف، تلتهم نيران الخيبة آمالنا، و تغتال البراءة بداخلنا.
نكبر لنأخذ موقعنا داخل الحفلة التنكرية، نتزود بالقناع – أو الأقنعة – التي نراها تفي بالغرض، نتفاعل مع باقي الحضور و لكننا نحرص دائما على “مسافة الأمان” تحاشيا للصدمات.
لكن فجأة و على حين غرة تتقاطع الطرق و نتصادم فتنقلب حياتنا رأسا على عقب!
قد نلتقي أثناء الحادث بأخ، بصديق، أو بحبيب، أو بالثلاثة مجتمعين فتخضرّ غابات الحب و الحلم بداخلنا و تزهر ورود الأمل.
و قد يكون هذا الحادث مجرد نقطة البداية لسلسلة من تصادمات لن تنتهي إلا و نحن ننزف آخر قطرات الإنسانية، فنستحيل مسوخا، أجسادا بلا أرواح، ظلالا سوداء تملأ سماء المدينة.
و يجرفنا التيار مرة أخرى لتتقاطع حياتنا بحياة ناس آخرين، ذنبهم الوحيد هو “سوء التوقيت”، فنجعلهم يدفعون ثمن هذا الجرم من إنسانيتهم، و لا نغادرهم إلا و نحن على يقين أنهم استحالوا بدورهم إلى “مصاصي أحلام” !
و تستمر سخرية القدر، و تتوالى حوادث التصادم إلى ما لا نهاية …
و في نهاية المطاف ندعي أننا “قد أصبحنا أكثر خبرة و بالتالي أكثر ثراءا !”
أليس الثراء الحقيقي لو مازال ذلك الأخ إلى جانبنا يشد أزرنا؟
أما كان من الأفضل لو أننا لم نفقد ذلك الصديق الذي لم تنجح ضحكاتنا يوما في أن تخدعه، و لم تحجب عنه أبدا دموعنا و آلامنا؟
أليست السعادة الحقيقية في قرب من نحب؟
لا يسعني سوى أن أتساءل لماذا نتعلم من الشجاعة سوى الجبن، ولم نحفظ من الثقة سوى درس الشك؟ لماذا نعشق الندم؟ لم نأبى إلا أن نلتحف بالسواد؟
كيف نهرب من السعادة لنرتمي في أحضان الحزن؟