الروح هي المكون العلوي السماوي للنفس البشرية وهى من عالم الملكوت أي من عالم ما وراء المادة عالم الغيب ( Meta physics )
والروح هي التي تمكن الإنسان من أن يتخطي ذاته ويتصل بخالقه ويلج عالم الملكوت فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .
* والروح تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها في عالم البرزخ فالجسد بالنسبة لها كالقالب ، فالروح علي صورة الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع وبصر ولسان وهي ما يراها الإنسان في نومه فعندما تلاي إنسان في نومك فقد التقت روحك بروحه وهذا نوع من أنواع تلاقي الأرواح فيمكن أن تليقي الأرواح في اليقظة وتتآلف وتتحاب فيجد الإنسان راحة نفسية تجاه شخص بعينه دون سابق معرفة أو مصلحة خاصة وموضوع تلاقي الأرواح سوف يفصل فيما بعد ، وكل منها ( النفس والبدن ) يؤثر في الآخر فالبدن يكتسب طيبة وخبثه من طيب وخبث الروح ، قال ابن القيم : – أشد الأشياء ارتباطاً وتفاعلاً وتأثراً من أحدهما في الآخر النفس والبدن لهذا يقال لها عند المفارقة حال الموت أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ويقال للنفس الخبيثة أخرجي أيتها النفس الخبيثة كنت في الجسد الخبيث .
* وارتباط الروح بالجسد في الدنيا يؤدي إلي حجب الكثير من الحقائق عن الإدراك خاصة عند الماديين وحين يخلع عنه رداء المادة بالموت تتكشف له الحقائق التي غفل عنها ويقوي حواسه الروحية فيري الحقيقة التي طالما أنكرها لذلك يقول رسول الله الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ، ويقول تعالي لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق22 ، ومن الناس من تتكشف لهم الحقيقة في الدنيا وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء فهم الذين علي بينة من ربهم وهم أهل العلم والعمل والتقي وهم أهل محبة الله ومعيته ، ومن هؤلاء الناس من يأتي علي يديهم الكرامات فهم أولياء الله وخاصته وهو ما يعرف بالمكاشفة والشفافية لأنهم تخلصوا من عوائق المادة في حياتهم وبالتالي تقوي عندهم الظواهر الروحية ، وغالباً ما ينكر عليهم الماديون أحوالهم ولهم العذر فهم لم يذوقوا طعم الإيمان الحقيقي ومن ذاق عرف ، وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ( الناس أعداء ما جهلوا ) ، فلكي تترقي في مراتب الإيمان لا بد من التجرد من كل العوائق المادية فلا تكون هي شاغلك الأوحد في هذه الحياة .
*-قال القرطبي رحمه الله في التذكرة :
إن النفس والروح شئ واحد وأن الروح جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة ( الأجساد ) ، يجذب ويخرج ، وفي أكفانه يلف ويدرج وبه إلي السماء يعرج ، لا يموت ولا يفني وهو مما له أول وليس له آخر ، ويأخذ شكل القالب الذي نفخ فيه فهو بعينين ويدين وأنه ذو ريح طيب وخبيث ، وكل من يقول إن الروح تموت وتفني فهو ملحد وكذلك من يقول بالتناسخ ( أي أنها إذا خرجت من هذا ركبت في شئ آخر كحمار أو كلب مثلاً ) وإنما هي محفوظة بحفظ الله إما منعمة وإما معذبة .
*-ذكر الرازي أقوال الطوائف المختلفة في الروح فمن قائل أنه جزء لا يتجزأ من القلب ، وقالت طائفة وهذا ما أيده ابن القيم وساق الأدلة عليه من أن الروح جسم مخالف في ماهيته لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيه سريان الماء في الورد والدهن في الزيتون والنار في الفحم وما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الناتجة من هذا الجسم اللطيف بقي هذا الجسم اللطيف مشابكاً لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية ، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلي عالم الأرواح .
*- ابن سينا : اعلم أن الجوهر الذي هو الإنسان في الحقيقة لا يفني بعد الموت ولا يبلي بعد المفارقة عن البدن بل هو باق لبقاء خالقه تعالي وذلك لأن جوهره أقوي من جوهر البدن لأنه محرك البدن ومدبره ومتصرف فيه والبدن منفصل عنه تابع له ، فإذن لم يضر مفارقته عن الأبدان وجوده ، ثم إن الإنسان في نومه يدري الأشياء ويسمعها بل ويدرك الغيب في المنامات الصادقة بحيث لا يتيسر له في اليقظة وهذا برهان قاطع علي أن جوهر النفس غير محتاج إلي هذا البدن بل هو يضعف باقترانه بالبدن ويقوي بتعطله فإذا مات البدن وخرب تخلص جوهر النفس عن حبس البدن .
*- الروح كما يعرفها الشيخ أبو حامد الغزالي في كتابه العظيم ( إحياء علوم الدين ) : – هي لطيفة ربانية منبعها تجويف القلب الجسماني وتسير مع الدم عبر العروق الضوارب إلى جميع أجزاء الجسد فتهب له الحياة وشبه ذلك بالمصباح في الحجرة فالمصباح هو المثال للروح التي تسكن القلب وسريان الضوء من المصباح إلى جدران الحجرة مثل سريان الروح في داخل الجسد والإضاءة الحادثة مثل الحياة ، فتسري الروح في الجسد مع الدم وتتمركز الروح في القلب و تمتد عبر الدم إلي جميع أجزاء الجسد عبر العروق
( حسب تعريف الإمام الغزالي للروح في إحياء علوم الدين ) ، وهذا التعريف مستنبطاً من أحاديث رسول الله فعندما يقول صلي الله عليه وسلم :
إن الله لا ينظر إلي صوركم ولا إلي أجسامكم ولكن ينظر إلي قلوبكم يفهم من ذلك أن الروح وهي المكون الرئيسي للإنسان مركزها القلب ، والقلب هو المسئول عن سلوك الإنسان فمنه النية والإرادة والقصد ، وبالتالي الروح هي المسئولة عن سلوك الإنسان ومنها النية و الإرادة والقصد ، أما الجسد والصورة فلا ينظر إليه الله ، فما فائدة جسد في الطاعة كالصلاة والقلب منصرف إلي الدنيا يدخل به الشيطان من وادي إلي وادي ، هل للإنسان من صلاته هذه شيئ ؟ هل تقبل ؟ هل يمكن أن تنهاه عن منكر ؟ ، ليس له منها إلا ما عقل ، أي وعي فكان بجسده وروحه ( قلبه ) في الطاعة .
-والكلام عن الروح إنما هو عن أوصافها وأحوالها وليس عن تركيبها وماهيتها فلا يعلم سرها وحقيقتها إلا خالقها سبحانه وتعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً {85} ﴾ (الإسراء)