فلتصمتوا الآن.. فلتكفوا عن هذا الضجيج المزعج، كفوا عن النحيب والصراخ في كل حين، فما تفعلونه إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنكم جبناء. كل يومٍ تتأففون، تتظلمون على حقوقكم الضائعة، وتنتحبون. وحين يرهبونكم ويقتلونكم كالرعاع، تهربون إلى وجاركم وتبكون بصوت خافتٍ وتتضرعون للرحمة السماوية علها تنقذكم مما تعانون، وتنامون.
كفوا عن التذمر فلا أحد يسمعكم ولا أحد يبالي بكم، لن يحتشد العالم لنصرتكم، فإن كنتم أنتم بحقّ أنفسكم متخاذلون فعلى من تتكلون؟ من يساعدكم وأنتم تسمحون للأخرين على اعتباركم ضيوفاً وانتم أصحاب البيت؟ من يهبّ لنجدتكم وأنتم ترضون بالذلّ ولا تقاومون؟ تلومون القدر والحظّ والطغيان وأنتم عند أوّل هبّة رياح تستسلمون و”تسامحون”. من علّمكم أنّ المسامحة هوانٌ وخنوع؟ من أقنعكم أنّ السلام ضعفٌ وتراخٍ؟ إنّما الغفران منبعٌ للصلابة، وحده المنتصر والقويّ يستطيع أن يغفر ويفرض السلام لأنّ بيده القرار، أمّا الخاسر فالمسامحة حجّة له لإراحة ضميره وعذراً لجبنه.
فلتصمتوا ولتعملوا.. إعملوا كي تحافظوا على ممتلكاتكم، على حياتكم، على هويتكم. إعملوا كي يظهر مجد الله فيكم، كي تتمموّا الرسالة التي جئتم من أجلها. إعملوا كي لا تُستباح أعراضكم، إعملوا كي لا تُضطهدوا، كي لا تتسولوا عطف أحد. إعملوا من أجل الحياة التي وُهبت لكم، من أجل حياة أولادكم من بعدكم، حتى يتربّوا شامخين الرؤوس لا مطأطئين الهامات. أورثوهم العزّة والكرامة، علموهم السير بفخرٍ ولا تتسببوا لهم بمصيرٍ كمصيركم.
إعملوا فيوم الحساب ستُسألون عن وزناتكم، ستُحاسبون على كلّ إهمال وهدر لحقوقكم وحقوق أولادكم، ستُسألون عن كرامتكم، عن مسؤولياتكم تجاه أنفسكم قبل الأخرين، وستسألون عن الخد الأيمن قبل الأيسر. إعملوا ولو حتى للحفاظ على ماء وجوهكم..وإلا فلتصمتوا إلى الأبد.