أخبار عاجلة

د. مصطفى شاهين يكتب : “مفهوم الأمن العقدي في الإسلام ، ضرورة للحياة وقوام للتدين”

أول ما قد يتبادر إلى ذهنك باعتبارك مسلما عندما ترى مصطلح ( الأمن العقدي ) في الإسلام ، أن تتذكر الآية القرآنية ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) [ سورة الأنعام : الآية 82 ] ، وكلمة بظلم في هذه الآية تعني بشرك . وأيضا قد تتذكر قول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ) رواه البخاري
وقد تكون قضية تحقيق الإنسان الأمن لنفسه ولمن هم في حدود مسئوليته أهم القضايا الحياتية بل والمصيرية أيضا . ويتصور الإنسان دائما أن تحقيقه لهذا الأمن في حياته وحياة غيره إنما يكون في وفرة المال والأملاك والسلطة والنفوذ والقوة والأهل والمتابعين وكل صور التمكن المادي في الحياة ، وقد يبعد عن ذهنه تصور تحقيق هذا الأمن في صحة واستقامة واعتدال عقيدته أساسا لنفسه واستمرارها كذلك في أهله وفي غير أهله ، بل قد يسأل البعض : هل هناك شيء اسمه ( الأمن العقدي ) ؟ ثم يقول : نحن نعرف فقط الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي والأمن الصناعي والأمن العسكري والأمن العام وأمن الدولة أو الأمن الوطني ، فما هذا الأمن الجديد الذي تدعونا إليه ؟ وهل الأمر مجرد وضع لفظ الأمن قبل لفظ العقيدة حتى تكسبه أهمية ، كما يكتسب كل أمر في هذا العصر أهمية خاصة عندما يُسبق أو يُلحق بكلمة أمن ؟
يمكن القول إن هذا المصطلح ( الأمن العقدي ) يعد حديثا نسبيا بل قد يكون معاصرا ، فقد أطلقه بعض المعاصرين وردده آخرون وبخاصة في أعقاب أزمة إسلام البحيري مع التراث والحكم بحبسه خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان . فقد أوردت صحيفة اليوم السابع في عدد الأحد 31 مايو 2015 عن الأزهر قوله : ( هدفنا حماية الأمن العقائدي لدى الناس ) . وقول الدكتور عبد المنعم فؤاد ، عميد كلية العلوم الإسلامية بجامعة الأزهر : ( إن الأفكار الهدامة التي يطلقها إسلام البحيري تضر الأمن العقدي لدى الناس ….. فما كان يبثه إسلام البحيري أفكار تمس الأمن العقدي والفكري لدى الناس ) . وكتبت الصحفية ( هبة عفيفي ) في موقع مدى مصر يوم 2 يونيه 2015 موضوعا بعنوان : ما ( الأمن العقدي ) الذي هدّده إسلام البحيري ؟ ، ذكرت فيه قول الأزهر وقول الدكتور عبد المنعم فؤاد السابق ذكرهما ، وأضافت إليه تعريف الدكتورة آمنة نصير – أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر – في تهديد الأمن العقدي بأنه عدم احترام ما يؤمن به أغلب الناس . ويرى الدكتور أحمد كريمة – أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر- أن التعبير الأدق هو ( الأمن الثقافي الإسلامي ) وليس الأمن العقدي . ويقول إسحاق إبراهيم – مسئول ملف حرية المعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية – ( إن الأزهر له دور في تحريك بعض هذه القضايا وفي الزج بمبدأ الأمن العقدي بهدف الحفاظ على احتكاره الحديث في الدين ….. وإنني أرفض التفرقة في تنفيذ مبدأ الأمن العقدي ولا اعترف به ؛ حيث لا يعاقب مثلا من يقول على المسيحي إنه كافر ) . ويوجد على اليوتيوب فيديو لأحد الدعاة هو الشيخ عادل المقبل ، بعنوان الأمن العقدي . لكن كل هذه الأقوال السابقة لم تتعرض لتوضيح هذا المصطلح وتحديد مقصوده ومدلوله
والحقيقة أن مصطلح ( الأمن العقدي ) هو مركب إضافي من كلمتين هما ( الأمن ) و ( العقيدة ) ، وهو مصطلح لم أجده في الأدبيات الفكرية التراثية ، ولم أجد له تعريفا أو توضيحا لدى القدامى من علمائنا ومفكرينا ، على الرغم من ذلك الوجود الواضح لمدلول ومعنى كلمة ( الأمن ) وكلمة ( العقيدة ) في التراث الإسلامي ، لكنهما كانتا فيه دائما منفردتان وليستا مجتمعتين في مركب إضافي يسمى الأمن العقدي . ويمكن القول إن مصطلح الأمن العقدي بصفة عامة هو : ( أن يتقرر ويتحقق لدى الإنسان تَمكُن عقيدة ما في نفسه تمكنا تاما بحيث توفر له الاطمئنان والراحة النفسية والمجتمعية ، ولا يعد معها وبها قلقا أو منزعجا مما قد يأتي من أمور الدنيا على غير رغبته أو توقعه ، دون رقابة أو وصاية عليه من مثله ) . وبالتخصيص على الإسلام والمسلمين فإن مصطلح الأمن العقدي في الإسلام يعني : ( أن يتقرر ويتحقق لدى المسلم في عصره الذي يعيش فيه تَمكُن العقيدة الإسلامية الصافية الأصيلة بأركانها الستة ، وتجلياتها العملية الخمسة ، تمكنا تاما في نفسه بحيث توفر له الاطمئنان والراحة النفسية والمجتمعية ، ولا يعد معها وبها قلقا أو منزعجا مما قد يأتي من أمور الدنيا على غير رغبته أو توقعه ، دون رقابة أو وصاية عليه من مثله ) . ويجمع هذا المصطلح بين حال القلب وفعل الجوارح اللازمين لتقرير وتفعيل العقيدة
ولا شك أننا نحن المسلمون المعاصرون في حاجة ماسة إلى مراجعة دائمة لمدى تحقق الأمن العقدي في نفوسنا ، لكي نعيش أمن العقيدة والعقيدة الآمنة ، بحيث يكون مبدأ ( الاتساق وعدم التضاد والتناقض ) بين تمكن الإيمان في القلوب ، وبين الحرص على أداء الأعمال التكليفية بالجوارح ، هو العلامة الفارقة لتحقق الأمن العقدي في نفس المسلم وعدم حصول الاضطراب العقدي عنده . وقد يكون لتعدد المذاهب والجماعات والتعصب من أجلها والموالاة والمعاداة على أصولها وأشخاصها في هذا العصر ، وعدم الرجوع إلى العقيدة الصافية الأصيلة النابعة من مواقف النبي والصحابة دور كبير في معاناتنا من عدم تحقق الأمن العقدي وحصول الاضطراب فيه
ونستطيع أن نقول بيقين إن هذا الخوف وعدم الأمن العقدي والاضطراب الذي نعانيه نحن ، لم يكن موجودا لدى الصحابة الأجلاء ؛ لأنهم كانوا حريصين بعد الإيمان بيقين على تحقيق مبدأ الاتساق وعدم التناقض بين أقوالهم وأفعالهم ، لقد كانوا يعلمون ويعملون بمبدأ أن ( الإيمان شجرة تغرس وتنبت في القلب وتظهر ثمارها الطيبة على الأعضاء والجوارح ) ، دون تأجيل أو تسويف أو خوف مما سيأتي أو يكون . وكان أحدهم يتلقف الإيمان تعلما من النبي فيأمن به على نفسه من غوائل الدنيا ولا يهاب لقاء الموت . فقد جاء رجل على بعيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له يا رسول الله ، علمني ما الإيمان ؟ قال : تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت . قال : قد أقررت . ثم انصرف ، فوقع من على بعيره فمات ، فقال رسول الله : (( هذا من الذين قال الله فيهم ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) ، هذا ممن عمل قليلا وأُجر كثيرا )) . وهكذا تحقق الأمن العقدي في قلب هذا الصحابي فوراً . وقصته مشهورة في كتب الحديث . وأعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله سلم كان يقصد أن ينبهنا إلى أهمية تحقق ( الأمن العقدي ) في حياة المسلم بين أهله وأقرانه لما قال في حديثه الشريف : ( من أصبح – من بات – آمنا في سربه …. ) ، فلن يتحقق ( الأمن العام التام ) أبدا سواء في السرب أو خارجه إلا من باب تحقق الأمن العقدي للمسلم في ذاته ثم تظهر آثاره في بيئته ومجتمعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *