أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب.. «تيران وصنافير» من منظور مغاير !

كتب هذا المقال قبل صدور الحكم بمصرية الجزيرتين واعتبره تأييدا لوجهة نظري التي اطرحها في السطور القادمة أرى أن التناول غير المتخصص لقضية جزيرتي تيران وصنافير قد ساهم في تعقيد الموضوع خاصة  في الإعلام لأنها  مشكلة فنية و ترتبط بأوضاع خاصة في القانون الدولي وبشكل أكثر تخصص فيما يعرف ( بترسيم الحدود ) والمعالجة العاطفية او التناول السطحي لها ما لاشك فيه أنه  يقود  الى الدخول في منطقة – غير محسوبة –  من الجدل البيزنطي الذي يضر بالعلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين المصري والسعودي . 
ولذلك اعتقد انه يجب النظر الى  القضية من رؤية مختلفة تحكمها – من وجهة نظري – اعتبارات الآمن القومي للبلدين أولا ثم ضرورات المصلحة لكل منهما  ثانيا  و المصلحة المشتركة لهما ثالثا لأن القضية – في واقع الامر-  ليست قاصرة على  الجانبين المصري والسعودي فقط فهناك أطراف إقليمية ودولية آخرى يمكن أن تستفيد بدرجة ما من تداعيات المشكلة  بشأن الجزيرتين التي يعمقها كثير من الشوفينية والعناد لدى أطراف على  الجانبين ! 
واعتقد أن ما قاله الدكتور مفيد شهاب – وهو رجل متخصص ليس له مصلجة شخصية – بشان  قضية جزيرتي تيران وصنافير يضع النقاط فوق الحروف حيث اكد ان مصطلح الملكية قاصر فقط على القانون الخاص اما القانون الدولي يتعامل مع مصطلح السيادة بعبارة اخرى إن الدول  ليس لها صكوك ملكية ولكن لها حقوق سيادة وهي عنصر مهم في تعريف مصطلح الدولة الذي لابد ان يشتمل على ثلاثة عناصر الأرض والشعب والسيادة !
من هنا إن ممارسة حقوق السيادة جغرافيا يبرز دائما في المناطق الحدودية والاراضي المتاخمة لها  وفي احيانا كثيرة تمتد اعتبارات الأمن القومي لتشمل مناطق قد تكون بعيدة نسبيا عن الحدود لكنها مؤثرة على سيادة الدولة الأمر الذي يتطلب من الدولة ان تسيطر بصورة او بأخرى على هذه المناطق البعيدة وأوضح  مثل على ذلك مضيق باب المندب الذي يقع في أقصى جنوب البحر الأحمر  لكنه يمثل منطقة استراتبجبة تحتم ان تمارس عليها مصر اعمال السيادة لما لهذه المنطقة من تأثير على الامن القومي المصري من جهة والامن القومي لكل الدول العربية الواقعة على البحر الاحمر من جهة اخرى ومن بينها المملكة العربية السعودية !
واذا افترضنا سعودية الجزيرتين فإننا نجد تاريخيا وقوع الجزيرتين ضمن حقوق السيادة المصرية نتيجة طلب سعودي بذلك بعد ان ادركت حكومة المملكة  في ذلك الوقت ان السيادة من قبل مصر عليهما تعني حماية وتأمين الأمن القومي السعودي وتجنيب المملكة الوقوع في مشكلات اقليمية مع اسرائيل تحديدا وفي الوقت نفسه ادركت مصر اهمية السيطرة على الجزيرتين لتأمين الممر الملاحي في  خليج العقبة للسفن العابرة بالاتجاهين شمالا وجنوبا . 
وكان قرار إغلاق خليج العقبة عام 1967احد اسباب نشوب حرب  الخامس من يونية ولو افترضنا – جدلا – أن ما حدث كان قرارا سعوديا فإن الحرب كانت ستكون آنذاك بين السعودية واسرائيل ومن هنا سيطرة مصر على الجزيرتين جنبت دخول السعودية هذه الحرب ودفعت مصر الثمن عن إرادة واقتناع بدورها القومي رغم ان مصر تجرعت في هذه الحرب مرارة الهزيمة وانتقلت سيطرة الجزيرتين لإسرائيل حتى حرب اكتوبر 1973 وتوقيع اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979 بعد ذلك لتعود الجزيرتان مرة اخرى تحت السيطرة والسيادة المصرية !! 
ومن هنا اثبت التاريخ ان من مصلحة السعودية ان تظل الجزيرتان تحت السيادة المصرية ويظل الأمن القومي السعودي في وضع الاستقرار كلما احكمت مصر قبضتها على الجزيرتين لاسيما ان الممر الملاحي من جانب الاراضي السعودية لا يصلح للملاحة لانه ملئ بالشعاب المرجانية ويظل الممر المسمى ( انتربرايز ) من جهة مصر الوحيد الصالح لعبور السفن  بعرض لا يتجاوز الميل ونصف الميل من نحو ثلاثة أميال في عرض البحر تفصل بين الاراضي المصرية والاراضي السعودية وتمثل المياة الاقليمية للدولتين مناصفة ولذلك كان اقتراح حكيم انشاء جسر يربط بين الجانبين في هذه المنطقة قيل انه سيسمى جسر ” الملك سلمان ” لكن لم يكن الاقتراح – فيما يبدو- على هوى إسرائيل ومن يدعمها واطراف إقليمية اخرى فتم إثارة قضية الجزيرتين لنسف التقارب المصري السعودي ! ونقول إنه لو افترضنا سعودية الجزيرتين فإننا نصبح امام احد ثلاثة سيناريوهات :
الأول إنتزاع حقوق السيادة من مصر وإستبدالة بسيادة سعودية معنى ذلك ان على حكومة المملكة تحمل مسئولية مواجهة  اسرائيل بكل ماتحملة كلمة مواجهة من تبعات  سياسية واقتصادية وعسكرية وهو امر سيكون شديد الوطأة على  الشعب السعودي هذه الأيام خاصة ان هناك انشغالا سعوديا في الصراع اليمني – اليمني جنوبا وفي الوضع السوري شمالا وبتهديدات ايرانية شرقا  فضلا عن ازمة إقتصادية هي الاولى من نوعها في تاريخ المملكة !
الثاني تأجير الجزيرتين لطرف ثالث وليكن الولايات المتحدة لإدارتهما بالوكالة عن الحكومة السعودية لتجنب المواجهة مع اسرائيل وهو سيناريو لن تقبله مصر لعدة أسباب من بينها ان الولايات المتحدة ستدير الجزيرتين لصالح اسرائيل وعلى حساب السعودية وهو امر لا اعتقد قبولة سعوديا وسيضر حتما بمصلحة الشعب السعودي في المدى المنظور !!
السيناريو الثالث ان يظل الوضع على ما هو علية بمعنى استمرار السيادة المصرية على الجزيرتين وهو السيناريو الاقرب لمصلحة البلدين المشتركة ويحقق ضرورات الامن القومي المصري والسعودي في آن واحد ويجنب المملكة مواجهات هي في غنى عنها حتى تتفرغ لحل مشكلات اخرى عالقة فيها باليمن وسوريا وبحث كيفية التعاطي مع الاطماع الاقليمية الايرانية في منطقة الخليج !
نافلة القول إن السيناريو الأخير هو الأكثر واقعية للحفاظ على الأمن القومي للبلدين الشقيقين اللذين يجب ان يستوعبا حقيقة واضحة أن الخلاف بينهما هو لصالح اسرائيل وغيرها من اطراف استمرار قوتها في المزيد من الضعف والتفكك العربي وتبقى كلمة للذين يروجون دون وعي إتهام  التنازل عن الارض أقول لايوجد مصري واحد  بعد ثورة 30 يونية يجرؤ على اتخاذ هذه الخطوة لأن الشعب الذي واجه قوى الظلاميين لايمكن ان يفرط في حبة رمل من تراب هذا الوطن !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *