أخبار عاجلة

ضحي أحمد تكتب… كنت أخشى عليه !

 فى تلك اللحظة كانت الشمسُ قد نالت من الأرضِ غايتَها ، و عجّت الطرقاتُ بأوْبةِ أسراب …منهم للعلم طالب ، ومنهم للحكومة خادم ،و قد رشّتهم شمسُ يومِهم بالعرقِ رشّاً ، يُسرعون الخُطا إلى حيث جنتِهم اليومية ،إلى حيث أسرةٍ أو صديق أو لا شئ ،بعد أن تَجَهنّم يومُهم فى الطلبِ أو فى الخدمةِ .
و قد كنتُ أصنعُ صَنيعَهم ،و بيْنما أنا على ذلك ،إذْ تصَلّبت ساقَاي ، وتصلّب الجَفنُ جاحِظاً عيْناي ، واهْتَزّ القلبُ هِزة إشفاق و كأنه لمَا شَعر بذلك من قبل و لمَا عرف للشفقةِ معنىً إلا حينها ، ذلك حين أبصرتُه .
ما صدّقتُ عينَيَّ ، أخبرتنى بصدقِهما تلك الصديقةُ التى رأتْ ما رأيتُ و لو لم تكن صديقة ..لما صدّقتُها !!
براءةٌ كَبراءة الأطفال ، ذاتَ وجهٍ من تجاعيدَ كثيرة ،لو كانت طرقُنا مثلَه لمَا اهتدينا البَتّة ! ….تجاعيدٌ تدل على مرِّ الزمان و جُور الأيام و رأسُه قد اشتعل شيبا ، على وجهه وِسامة … وعن مدخلِ طعامه ،مثُله كمثلِ تجعيدةٍ من هؤلاءِ الكثر .
اخْتطَفته عيناي خطفاً …عجوزٌ يبدو أنه قد جاوز الثمانين أو التسعين !  لم يكن يُسرع الخطا كغيره، ليس لأنه طاعنٌ فى العمر ،فقد كان مستندا إلى صندوقِ القمامةِ الجّرار ، والذى اتخذ من إفراغه بابا للإرتزاق !! 
ذلك الذي لأجهده النهوضُ و إن كان _قط _لقضاء الحاجة .
رأيته بكَفِّه التى تَرْتَعش ذهاباً وإياباً إلى حيث داخلِ الصندوقِ الذي تَربّع على الأرض بطوله و عرضه و ارتفع عن الأرض كثيراً ،، كانت حركتُه بطيئة كلّ البطء ، وكنت أخشى عليه تلك اللّفافةَ الخفيفةَ الثقيلة من أن تُوقعَْهُ أرضاً ، والتى الْتقط عشراتِ مثلَها ليَحْشو بها عرَبة القمامة و التى تقف بجانب الصندوقِ القوىِ الضخم ، عَربتُه تلك التى امتلأت بقمامات أخرى ،من طرقات أخرى …ولأُناس أخرين !
ألَمْ يكن يعلم من ألقاها أنْ سينحنى لها ذلك المُعمَّر الهزيل تحت شمس قد اشْتَطّ نارها !
ألم يكن يعلم من أفرغها فى سلام أنْ ستقبضَها آهاتٌ مُلْتاعة لعجوزٍ ..ما رأيتُ تحت السماءِ أشقى منه حالاً ! 
أَهى عمياءٌ تلك البشرية إلى هذا الحد ؟! …. أهى عمياءُ القلب والبصر معا ً !! أهى عمياء القلب أم على قلوب أقفالها و إن من القِفلِ لما يُكسر فيفتح ما يُفتح !  وإن منه لما يصدأ فيُزيد القلبَ عميانا وقسوة …أم تحجّرت تلك القلوب ، وإن من الحجارة لما ينشقُ وإن منها لما يتفجّرُ منه الأنهار ! ….يااللهول !! 
ولم أُحوِّل عينيِّ عنه ، وقبل أن أُوجه خطاي نحوه جذبتنى الصديقةُ بندائها إياي ، لم انتبه كثيرا ،وعُدتُ سريعا ببصري إلي حيث كان العجوز ، فوجدت حيثُ ولم أجد العجوز …. كان العجوز قد انسرق !! 
إلي أين ارتحل ؟  ولمِ انسرق ؟ و علامَ تَعجَّل ؟ وحتَّامَ سيعمل ؟! …لستُ أدري ،لكنى تمنّيتُ لو احْتَضَنتُ أمرَه و لو ساعة !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *