أخبار عاجلة

د.مجدي العفيفي يكتب… الخطاب الإعلامي في أزمة الخليج !!

جاءتني كلماته من شاطئ الخليج.. حزينة.. يائسة.. تنزف أسى.. وتشف عن ألم دفين بلا أمل إلا قليلا، إذ حدثتني شخصية خليجية لها وزنها السياسي والإعلامي.. قال لي بمرارة بكل مرارة ونحن نتحاور أمس: «إن سفينتنا تغرق والخشية ألا نكون مثل يونس الذي يبتلعه الحوت إلى حين ولن نجد شجرة يقطين نستظل بها». وأضاف محدثي وأنا أحاوره: «كدت أيأس من سيادة العقل والحكمة، وألعن السياسة وما أوصلتنا إليه من مستنقع.. الصراخ والصراخ المضاد في القنوات الفضائية أو الفاضية إن صح التعبير، والعواء والنهيق في الإعلام الاجتماعي أصبح وسيلة لتوسيع الهوة وتضييق الخناق على الأمة.. التردي الإعلامي ظاهرة عامة اجتاحت عالم العرب.. ونحن ذوو الضمائر الحية ندفع الثمن.. لا بد للحق أن يسود ولا بد للباطل أن يدحض».  ويزيدني همًّا وغما: «ليست هناك من قضية غير قابلة للحل، إذا توفرت النيات لحلها لكن إذا غابت الإرادة السياسية التي تشكل قاعدة الانطلاق لحل المشكلة، أو أصبح استمرار المشكل في حد ذاته مطلوبا فإنه حينئذ يصبح الحل مستعصيا، لأن النزيف السياسي والاجتماعي والاقتصادي في حد ذاته هو الهدف، واستمرار المحنة أو الأزمة هو الضمان لاستمرار هذا النزيف.. لذلك مهما سعى الوسيط فإن مساعيه تذروها الرياح.. هذا هو حال أزمة الخليج الآن.. أزمة من غير ملامح منذ بدايتها تمكن الوسيط من قراءتها وتفكيكها». وانعطف الحوار إلى الاشتباك بين الخطاب الإعلامي والخطاب السياسي.. وكل الخطابات الأخرى، لأن الكل يسبح في فلك واحد مشحون. وإني لأتساءل ما بين السؤال الاستفهامي والسؤال الاستنكاري: أمَا آن الأوان للخطاب الإعلامي في أزمة الخليج الراهنة أن يعدل من مساره ويميل إلى الموضوعية المفترضة؟! ماذا سيكون موقف أصحاب هذا الخطاب حين يتم تسوية الأزمة وتعود العلاقات الطبيعية بين الأطراف؟! ماذا يقولون غدًا إذا عادت الأمور إلى معدلها الطبيعي، وستعود؟! هل سيتحولون ويهرولون من النقيض إلى النقيض، مثلما تحولوا فجأة بخطابهم المسكون بالتوتر، والمسجون في دائرة مغلقة أكثر مما ينبغي؟! ولكم أن تتخيلوا، بلا عناء، أشكال هؤلاء الذين يتسكعون في طرقات الصحف العربية وعلى أسطح الفضائيات العربية، وهم يثرثرون بعبارات ليس فيها جملة عقلانية واحدة مفيدة، ويرسلون خطابا مندفعا.. يصر على إشعال المزيد من الحرائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. لقد صدق «تشرشل» رئيس الوزراء البريطاني الأسبق حين قال «إن الإعلام هو الذراع اليمنى للفوضى»! وإن تعجب فعجب أن كل شيء في حياتنا يتم فجأة.. نحب فجأة.. ونكره فجأة! نهدأ فجأة ونغضب فجأة.. نفرح فجأة ونحزن فجأة.. نقرر فجأة ونقر فجأة.. ننام فجأة ونصحو فجأة.. نكتشف فجأة ونتكشف فجأة.. كل حياتنا فجأة.. ومماتنا أيضا! أوجاعنا فجأة.. أوضاعنا أيضا! قراراتنا.. حساباتنا.. خططنا تخطيطنا.. حتى مفاجآتنا.. تتم فجأة! لماذا؟ هل ضاعت قرون استشعارنا؟ ما بالنا لم نعد نتحسس أمامنا؟!  ما لنا نصر على أن نضرب رؤوسنا في الحائط أمامنا؟ ما بالنا نرى الخطأ والخطيئة.. ونصر على أن نفعل وننفعل ونتفاعل بجد وجدية في مثل هذه الأمور.. نحب في اللغة العربية «المفعول» ونكثر منه ومن صيغه، لدينا «المفعول به» و«المفعول فيه» و«المفعول معه» و«المفعول لأجله».. أما «الفاعل» فهو «مرفوع».. ضعيف، مسنود، و«ضمير مستتر» و«مبني للمجهول» وله «نائب» واحد! قليل هو «الفاعل» وكثير هو «المفعول»!.. إن اللغة صورة للتفكير! ومرآة تعكس حركة حياة أصحابها. فجأة.. انفتحت بين الأطراف المتأزمة ملفات ملغومة تكشف الكثير والخطير والمثير من المخبوء -إن صحت-!  إيه يا إعلام!  أكل هذا التشويه والذبح على طريقة (نظرية الرصاصة الإعلامية)؟!  انظروا إلى كمية المقالات والمواد الصحفية المطبوعة والإلكترونية والمرئية والمسموعة لمصلحة من هذا! حتى السفراء دخلوا في جوقة بث الكراهية والفتنة بكل الأدوات، وتخلو كثيرا عن وقار الدبلوماسية التي يفترض أنها متزنة، ولم يختلف عنهم الكثير من الباحثين الذين يفترض أنهم أكاديميون، وكل كلمة لديهم بميزان، فإذا بهم يلقون بردائهم العلمي على قارعة الفضائيات، فلا علمًا رأينا ولا موضوعية.. إنما وجدنا من يتلاعب بالتاريخ ويوظف شواهده الباهتة لتحقيق «مآرب أخرى» والتاريخ أكبر مصنع لتكييف الهوى! شاهد أيضا مجلة أمريكية: الأزمة الخليجية وضعت تركيا في موقف حساس السعودية تتراجع.. تركيا تزاحم أمريكا على كرسي المصالحة الخليجية كلهم ينسحب عليهم المعنى الكاشف لكل مخبوء في الآية القرآنية العظيمة:  ‭}‬… وَأُحضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ….‭{‬ [سورة النساء: 128] فكل طرف استخرج أسوأ ما في الطرف الآخر، فجأة أيضا.  ما هذا أيها السادة؟ كل هذا الحقد.. كل هذه البغضاء.. كل هذه العداوة؟! ما هذا يا عرب القرن الحادي والعشرين؟! لماذا تصر الآلة الإعلامية على أن تجعل من الإخوة أعداء؟!  لقد ألقينا أنفسنا في بطن الحوت، عن عمد وسبق إصرار.. فبهت صوت العقل إلا قليلا.. نبذل المستحيل في إجهاض الوساطة.. لا سلام.. لا حوار.. لا.. ولا.. ولا.. لقد تجبر عنفوان الرفض.. وطغى التشبث بالموقف في سياق لا ينبغي له أن يتصلب بهذا الشكل.. وهذه عادتنا، أو قل هي بضاعتنا ردت إلينا! تقزم الغضب الموضوعي أمام الغضب اللفظي إلى حد كبير. لو تسكت الآلة الإعلامية قليلا لتغير مسار الأزمة.. لو تكف عن إشعال الحريق قليلا.. لهدأت الأمور.. لو تخفض جناحها للحوار.. لو.. لو..! هنا لو لا تفتح عمل الشيطان لكنها مرعوبة من أجل العقل والمعقول الذي يغالبه اللا معقول.  وأتفق مع كثيرين ممن كتبوا عن الخطاب الإعلامي لأزمة الخليج، إذ إن المواجهة الإعلامية الشرسة سوف تعزز من مناسيب التطرف والغلو في المجتمع العربي الغارق في بحار من الانغلاق، والأخطر من كل هذا أن وسائل الإعلام لكلا الطرفين سوف تفقد مصداقيتها لدى جمهورها الداخلي والخارجي، كونه لا يقدم حتى نصف الحقيقة، في الوقت الذي يعرف فيه الجمهور الحقيقة كاملة مع توافر البدائل الأخرى من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي الخارجة عن إرادة الطرفين.    @ واتس آب:  هل قرأتم نزغة وزير الدفاع الصهيوني «موشيه يعالون» وهو يقول:  «ليس من المتعة أو السياسة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده أو بيد أخيه، فإن المتعة أكبر، وهذه سياستنا الجديدة، أن نشكل ميليشيات للعدو فيكون القاتل والمقتول من الأعداء»! ،،،،،،،،،،،،،،،  @ تويتر:  نعم أيها الإمام الغزالي وقد قلت قبل ألف عام: «ما أشد حماقة من تدخل الأفاعي والعقارب تحت ثيابه، وهمت بقتله، وهو يطلب مذبة يدفع بها الذباب عن غيره ممن لا يغنيه ولا ينجيه، مما يلاقيه من تلك الحيات والعقارب إذا همت به».  كم تكشف هذه المقولة الحكيمة ذات البعد الاستنكاري، ما يجري الآن من جدليات مشغولة بالمتغيرات أكثر من الثوابت، بالهوامش أكثر من المضامين، بالعوارض أكثر من الجواهر، بالشخص أكثر من الشخصية. ومن ثم يحدث الإرباك والارتباك، ويطغى الاهتزاز والابتزاز. ولا عزاء للعروبة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *