أخبار عاجلة

سوسن الدويك تكتب… معركة الزمان.. غير المحدود !

“محطات.. تلك هى الحياة.. التى تسير كقطار ديجتال” إن صح التعبير، لا يجيد إلا لغة الأرقام، وكلما وصل إلى “رقم” يعنى ذلك الوصول لمحطة ما لا يستطيع مخلوق إيقافه.. والوقت يقترب من لحظة الوصول لمحطة يمكن أن نسميها “استراحة محارب”.. محارب قديم آن له الإستئذان فى الإنصراف، وظن أن هذه اللحظة حل موعدها بالنسبة لى.. ففى يوم عشرة من هذا الشهر ديسمبر 2017 استوفيت عامى الستين.
بحساب شهادة الميلاد هذا صحيح..وهو قول دقيق، لكن هناك قولًا آخر ربما أكثر صوابًا هو حساب زمان العمل على مساحة العمر.
وفى حالتى كان العمل.. هو كل حياتى، تواصل دون انقطاع، لأكثر من أربعين عامًا، فتجربتى الصحفية المهنية، بدأت فى العام الثانى تقريبا فى 1977 فى كلية إعلام القاهرة، حين رأى أستاذى عبدالستار الطويلة وقتها مع مجموعة من الزميلات تكرمت المقادير، وكنت إحداهن فى فرصة التدريب العملى تحت إشرافه بجريدة السياسى، فكرة الأستاذ عبدالستار الطويلة والتى سيطرت علىّ لفترة ممتدة، إن التحقيق الصحفى هو سيد الفنون الصحفية، وكان الرجل خبيرًا عارفًا بكل أبعاد وخبايا وكواليس المهنة..وكنت تلك التلميذة والابنة، التى تشربت من خبرة أستاذها الذى كان يحلو له دائمًا أن يقول “سوسن فرويد” التحقيقات هذا كان تعبيره المفضل.
“أستاذى” هو من علمنى أن “الحرف” مسئولية وأمانة، ولم نكن وقتها ندرك ما فيه الكفاية عن هؤلاء الرجال، ولا عن المعركة الإنسانية والثورية والأيديولوجية فى الإنحياز للفقراء، لكن حماسة وإخلاص أستاذى لأفكاره وصدقه، تكلفت بتعويض النقص فى معارفى، حتى أتيح لى فيما بعد أن أستوعب تلك الرابطة الدقيقة العميقة بين الحرف والموقف.
ومنذ يوليو 1979 وحتى ديسمبر 2017 أى مع انتهاء الدراسة من قسم صحافة وحتى استوفيت عامى الستين بمجلة الإذاعة والتليفزيون، وأشهد الله أننى أعطيتها كل عمرى، وكل تفانى وتفضيل على ما سواها.
وآن الوقت للوصول لمحطة “الإنصراف”، وتقديرى أن أى حياة – عمرًا وعملًا – لها فترة صلاحية بدنية وعقلية، وأنه من الصواب أن يقرّ كل إنسان بهذه الحقيقة، ويعطيها بالحس قبل النص واجبها واحترامها، ثم إنه من اللائق أن يجئ مثل هذا الإقرار قبولًا ورضا، وليس إكراهًا وقسرًا، كما يستحسن أن يتوافق مع أوانه.
تعلمت.. وعملت.. واكتسبت خبرة، طورت من قدراتى، ولم أركن إلى تأجيل أو مراوغة، ومنذ سنوات طويلة، ربما منذ البدايات ومحاولاتى الدؤوبة لا تنقطع فى أن أنبه نفسى، بين وقت آخر إلى مزالق الانتظار، لذا فقد كنت أصارع الزمن واخترت “الحوار” كأجمل الفنون الصحفية، وقدمت كل خبرتى وبذلت فيه من روحى وعقلى، وكان أفضلها فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، ومجلة المحيط الثقافى، وبعض قليل فى جريدة “الأهالى” بالتعاون مع أستاذى “فيليب جلاب”.. 
ولأنه ليس من حق محارب أن يلقى سلاحه مهما تكن الأسباب، ولا من حق كاتب أن يتخلى عن قلمه مادام استطاع، فالقطار مستمر والعطاء أيضًا فى مقال أسبوعى بجريدة “المصرى اليوم”..
عدد السنين حقيقة حساب.. ولكن العطاء حقيقة حياة.. وهذا ليس من شأنه إلغاء قواعد الحساب.. ولكن دون تعطيل قانون الحياة والعطاء، لأنها ليست معركة فى المكان المحدود، وإنما معركة فى الزمان غير المحدود.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *