أخبار عاجلة

ايمان نعمه تكتب… < الساعة الأكثر ظلمة >

كتبت مرة تعليق قلت فيه غبي من يعتقد أن بريطانيا قد خرجت بالفعل من أوروبا وكانت هذه قناعتي فالأخبار كما تذاع في الاعلام لا تمثل بالنسبة لي حقائق السياسة بل هي في معظم الأحيان مبرمجة للتمويه والتغطية عليها فالسياسة تفقد قيمتها إن هي جردت نفسها وتعرت أمام الاعلام وكذلك الأحداث من الممكن برمجتها لخدمة السياسة . تذكرت اليوم وأنا أستمع لنشرة الأخبار وما جاء فيها عن بريطانيا وأنها تفكر في عمل استفتاء للتصويت على العودة إلى أوروبا ، استفتاء للخروج من أوروبا والآن استفتاء آخر للعودة ! ماذا فعلت بريطانيا ما بين الخروج والعودة إن أعلنت عودتها هذا تعرفه بريطانيا وحدها فقط ، تذكرت ما جاء في سيرة حياة ونستون تشرشل السياسية أثناء الحرب العالمية الثانية والذي عرض عنها في فيلم سينمائي مؤخراً حمل اسم ” الساعة الأكثر ظلمة ” كان تشرشل يقود تحركات بريطانيا العسكرية من مكاتب خصصت له تحت الأرض ومعه طاقم من نخبة القيادة العسكرية والاستخباراتية البريطانية في ذلك الوقت ، وكان عندما يريد إجراء مكالمة هامة كان يذهب إلى الحمام وهناك كان يحتفظ بهاتف سري خاص به وحده فقط ويتحدث من خلاله بصوت منخفض كي لا يسمعه أحد مع أن كل من كانوا معه في المبنى الخاص تحت الأرض كانوا يخدمون عمله ولكنه لم يكن يثق بأحد غير نفسه في أداء المهمات الأصعب . كان على الطرف الآخر من المكالمة السرية من تحت الأرض وزير الدفاع الأمريكي وكان غير متحمس للحديث إلى تشرشل الذي استمر يرجوه لعدة دقائق أن يرسل له طائرات حربية ويؤكد له أن بريطانيا قد دفعت لأمريكا ثمنها والآن هي في أمس الحاجة لها ، واعتذر الطرف الأمريكي بحجة أنه لا يستطيع ارسال الطائرات جواً ووضع الخيار الوحيد أمام تشرشل أن يرسلها له براً محملة على عربات تجرها الخيل أو الحمير مروراً من اسبانيا وبدا هذا العرض الغريب لتشرشل وكأنه محاولة للتملص من طلبه تضمنها بعض من الاستفزاز المتعمد ، لكن المحارب القوي لم يستسلم رغم ظلمة تلك الساعة وصعوبتها . لا يمكن اهمال التاريخ إن كنا نبحث عن المستقبل والسياسة الأمريكية كانت دائماً وما زالت منفردة تخدم نفسها ومصالحها فقط ، وإن كانت فكرة أوروبا الموحدة قد انطلقت من فرنسا وتحديداً من دماغ ديغول السياسي المحنك الذي عانى وتصدى للسيطرة الأمريكية فإنها فكرة بلا شك طربت لها بريطانيا مثل غيرها من الدول الكبرى الأوروبية المتحدة معاً ويمكن تلخيص هذه الخطوة بأنها الخروج من تحت السيطرة والسيادة الأمريكية المهيمنة على دول أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية وسقوط هتلر ، فهل يعقل الآن أن نصدق أن بريطانيا ممكن أن تتخلى بسهولة عن هذا الهدف ؟ انني أتساءل فقط ! ماذا لو أعاد التاريخ نفسه مرة أخرى ؟ ماذا لو حلّت على بريطانيا ساعة مظلمة أخرى ، ساعة قد تكون الأكثر ظلمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *