محمود عابدين يكتب.. «حورس و الحفار الإسرائيلي».. بطولات مصرية في ذاكرة العالم!

في رحلة جميلة بمملكة السويد.. أقصى الشمال.. كأي شاب مصري يعشق السفر إلى بلاد “الأحلام”.. والله ولا أحلام ولا حاجة.. المهم.. أقلعت بي الطائرة من مطار القاهرة إلى مطار ستوكهولم.. أنهيت إجراءات سفري.. خرجت من المطار قاصدا عنوان صديق مصري متزوج من سويدية في مدينة مالمو.
اهتديت إلى العنوان واستقبلني بفيلته الجميلة صديقي الوفي “سامي” شقيق السيناريست الراحل محمود أبو زيد – رحمه الله – وخلال فترة إقامتي معه.. أهداني كتابًا حتى أقتل به وقتي – هكذا قال لي حينها – ولم يكن يُدرك سامي أن هديته هذه.. كانت وستظل من أعظم وأهم الهدايا التي قبلتها وأفادتني  في حياتي.. الهدية عبارة عن رواية أكثر من رائعة للكاتب الوطني المبدع صالح مرسي بعنوان “الحفار”.. عمل شيق ومهم جدا.. وكم تمنيت من مسئولينا في كافة مراحل التعليم أن يعتمدوها كمقرر لأبنائنا الدارسين نظرا لقيمة مافيها.
الرواية عزيزي القارئ – باختصار شديد وغير مخل – ملحمة بطوليه وأسطورية عظيمة قام بها جهاز مخابراتنا “حورس” أثناء حرب الاستنزاف لكسر أنف القيادة الإسرائيلية بعد 1967.. تبدأ أحداثها بتسلم الرئيس جمال عبد الناصر معلومات تؤكد أن “شركة إسرائيلية – أمريكية – بريطانية” تعاقدت مع شركة أوروبية لإدارة وتشغيل الحفار “”Kenting 1 بمنطقة خليج السويس لاستخراج البترول الخام من آبارنا المُحتلة في 67 لحساب الكيان المحتل دون أدنى اعتراض من مجلس الأمن والمنظمات التي تشبهه.. طبعا في تحد سافرٍ لرفضنا وتنديدنا لهذا العمل الاستفزازي بكافة المحافل الدولية.
فما كان من ” ناصر” إلا أن أمر أبطالنا بتدمير هذا الحفار بأي ثمن.. وعليه أُسندت العملية للضابط العظيم مُحمد أحمد نسيم “قلب الأسد” الذي سعد جدا بالمهمة واختار بنفسه 4 ضفادع بشرية من لواء الصاعقة البحرية بالإسكندرية ليكونوا تحت قيادته وهم: رائد خليفة جودت – قائداً للمجموعة.. ملازم أول حُسني الشراكي – ضابط عمليات – مُلازم أول محمود سعد – ضابط عمليات – وضابط صف أحمد المصري – مُساعد عمليات.
يوم 12 فبراير عام 1970سافر “قلب الأسد” إلى باريس لتوفير مُعدات العملية.. وسافر فريقه بعده بـ 24 ساعة إلى داكار انتظارا لتعليماته.. لكن لسبب ما أمر “قلب الأسد” بإلغاء العملية في ليلة التنفيذ.. ومن ثم عادت عناصر الفريق صباح اليوم التالي على نفس الطائرة الفرنسية إلى باريس.. بينما مكث قائدهم في داكار ليلة عيد الأضحى المُبارك.. وبعد يومين عاد “قلب الأسد” إلى القاهرة بعد اختفاء الحفار في عرض المُحيط الأطلسي مع عناصر جهاز الموساد الإسرائيلي الموكلة بحراسته.. لكن سرعان ما ظهر الحفار عصر الاثنين الموافق 2 مارس 1970.. ومن ثم عاد “قلب الأسد” بسرعة البرق إلى باريس.. ومنها إلى ساحل العاج.. على أن يلحق به طاقم العملية في تمام الساعة 7 ونصف مساء 7 مارس 1970بهويات مُختلفة لمجموعة تصوير مُحترفة ومُتخصصة في توثيق الحياة البرية وأفلام الأدغال.
وبعين الصقور وقلب الأسود.. راقب البطل بقارب سريع من الساحل موقع الحفار.. تابع أسلوب حراسته بمُساعدة عناصر سرية ذات علاقة بسفارتنا في ساحل العاج تحسبا لإصداره أمرا بتنفيذ العملية.. بعدها حدد “قلب الأسد” ساعة الصفر لإتمام العملية في مُنتصف ليلة 8-3- 1970بعد نقل فريقه في سيارة فان صغيرة بداخلها 4 ألغام بحرية مع أدوات الغطس التي ستُستخدم في سحق الهدف.
ومن مفارقات القدر.. أن “قلب الأسد” كان يحتفل مع فريقه بعيد ميلاده الـ 43.. كما اتفق في ذات الصباح مع مجموعة من الصيادين على إحضار 4 صناديق مملوءة بالألعاب النارية لا طلاقها تباعا لحظة القضاء على الهدف وسط الاحتفال بعيد زواج زوجين نرويجيين تعرف عليهما بالفندق الذي كان يقيم فيه من باب التمويه.
و بتوفيق من الله عز وجل.. كانت نساء ساحل العاج تحتفلن هن الأخريات بمراسم يوم المرأة العالمي.. وبدأت الصواريخ النارية في الانطلاق بكثافة.. فغادر ضُباط الموساد الإسرائيلي الحفار الذي رسا على مسافة 400 متراً من الشاطئ في قارب سريع في اتجاه مصدر إطلاق الألعاب النارية لاستبيان التهديد.. بنفس اللحظة كان أبطال العملية قد خرجوا من الغابة تحت جُنح الظلام باتجاه الماء نحو الحفار.. وعلى عُمق متر واحد أسفل قاطرة الحفار.. ثبت أبطالنا الألغام وخرجوا من المكان في أن وسلام بعيدا عن أعين عناصر الموساد.
ولإثبات وجود أبطالنا وقدرتهم على لجم الصلف الصهيوني.. فقد تركوا بموقع العملية بعض أدواتهم التي استخدموها في تدمير الهدف ليُدرك العالم أننا قادرون على حماية مقدراتنا.. وفي الساعة السادسة صباحاً.. هزت الانفجاريات المُتتالية مدينة أبيدجان النائمة بقوة عنيفة.. وكان “قلب الأسد” قد تأكد من نجاح كُل الترتيبات مع إجراءات التنفيذ الروتينية.
حينها مشطت سُلطات الأمن بساحل العاج موقع تدمير الحفار حتى عثروا – مثلما خطط “قلب الأسد” مع العقول الجبارة التي دبرت للعملية في القاهرة – على الأدوات التي تركها أبطالنا عمدا.. ومنها: 3بطارية كشاف للعمل تحت الماء.. و3 أزواج زعانف أقدام غطس صناعة إيطالية.. و3 نظارات غطس ألمانية الصُنع.. وجهاز لاسلكي ياباني المنشأ.. ولوحان حديد حمل عليها أبطالنا الألغام الأربعة التي استُخدمت في التفجير.. بالإضافة إلى بطاريات داخلية للكشافات اليدوي مصرية الصنع.. وهو ما نشرته حينئذ صحف ساحل العاج.. وبذلك استيقظ العالم على جنسية المنفذين.. ومن ثم وصلت الرسالة أن “مصر العظيمة قادرة على نوعية العمليات المُركبة التي لا يقدر عليها سوى أعتى أجهزة المعلومات الكُبرى على مُستوى العالم”.
ظُهر يوم 11-3-1970 عاد “قلب الأسد” بذات السيارة الفان إلى مكان مرتفع من شاطئ العملية لالتقاط عشرات الصور للحفار الإسرائيلي الغارق.. ثم اتجه بعد ذلك مُباشرة إلى مطار ساحل العاج.. ومنه إلى باريس ثم القاهرة فجر اليوم التالي.. ليحتفل مع أبطال مصر وشعبها بنجاح أبرز العمليات البحرية الخاصة في تاريخ أجهزة الاستخبارات العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *