نظرة تأمل :
زيارة الوفد الروسي عالي المستوى لمصر مؤخرا انما يؤكد ان هناك تطورا نوعيا مهما في السياسة الخارجية المصرية ويتمثل هذا التطور في الانفتاح على روسيا بما يؤكد ان مقولة 99 بالمئة من اوراق اللعبة لم تعد في ايدي الولايات المتحدة كما كان يؤكد الرئيس الراحل انور السادات وقد ظللنا نعيش اكثر من 40 عاما وفق هذا التصور الذي قيد حركة الديبلوماسية المصرية وربط قرارات مصر المتعلقة بالعلاقات الدولية بما يريده القابع في البيت الابيض .
وربما كان اعتقاد السادات في هذه المقولة حينئذ لانه كان يعد لحرب اكتوبر 73 وكان يرغب ان يحقق نصرا مصريا وعربيا وعندما تدخلت الولايات المتحدة في الحرب لتغيير مسار العمليات الحربية لصالح اسرائيل وافق على وقف اطلاق النار وتولد لديه اقتناع بان امريكا بيدها كل خيوط اللعبة في الشرق الاوسط .
ما نقوله اليوم اصبح تاريخا منذ اكثر من اربعة عقود وخلال هذه السنوات تغيرت المحددات التي تحكم العلاقات الدولية ففي نحو ستين عاما اعتمد النظام الدولي اكثر من ميزان للقوى في البداية وفي ظل الحرب الباردة كان ما يسمى القطبية الثنائية اي وجود قوتين فقط تديران النظام الدولي وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والطريف ان الرئيس السادات اطلق مقولته الشهيرة بشأن امريكا قبل 17 سنة من انهيار الاتحاد السوفيتي ولا اعتقد ان هذا لم يكن استشرافا للمستقبل بقدر ما كان محاولة للاستفادة من الولايات المتحدة بغرض تقليل تأثير الانحياز التقليدي الامريكي لاسرائيل .
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه الى مايسمى دول الكومنولث الجديد ظهر في العلاقات الدولية نظام القطب الواحد اي سيطرة الولايات المتحدة على الجماعة الدولية ولا سيما الامم المتحدة وذلك في اواخر ادارة كلينتون مرورا بادارتي بوش الاب والابن لكن السياسة الخارجية الامريكية قوبلت في العالم كله باستهجان واسع النطاق خاصة بعد فشلها في الصومال وافغانستان والعراق وكان لابد من اعادة ترتيب الاوراق ليسود نظام مختلف عن النظام احادي الجانب الذي يعتمد على قوة او دوله عظمى واحدة تتحكم في مقدرات العالم والنظام الدولي الجديد هو نظام متعدد الاقطاب المعروف باسم نظام الثريا وبالفعل كان من العبث تجاهل روسيا وريث الاتحاد السوفيتي والصين واليابان وبالطبع الاتحاد الاوربي الذي يعتبر قوة فاعلة رغم تناغم سياسته مع السياسة الامريكية خاصة في الشرق الاوسط لكن هذا لايمنع ان هناك استقلالية اوربية بصورة او باخرى عن السياسة الامريكية ظهرت مؤخرا بعد اكتشاف قضايا تجسس وتنصت امريكية على شؤون بعض الدول الاوربية .
اذن نحن اليوم امام نظام دولي متعدد يفرض على اي دولة الا تربط نفسها ومصالحها بدولة واحدة فقط وهو ما ادركته الديبلوماسية المصرية مؤخرا لان التنوع في التعامل الدولي يفقد تأثير اي ضغوط سياسية او اقتصادية او عسكرية اذا مورست من دولة على دولة اخرى تابعة لها .
ان هذا التنوع في العلاقات يصب في صالح الدولة التي تنوع علاقاتها وهو ما فعلته مصر مع روسيا وهو ما يجعل واشنطن تعيد النظر في حساباتها تجاه مصر ولم تكن هرولة جون كيري وزير الخارجية الامريكي الى مصر الا تعبيرا عن التخوف الامريكي من التوجة الجديد للسياسة الخارجية المصرية ما ادى الى نجاح زيارة الوفد الروسي للقاهرة وذلك من خلال الاتصال الذي تم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس المصري عدلي منصور وبحثا نتائج مباحثات وزيري الخارجية والدفاع الروسيين سيرجي لافروف وسيرجي شويجو مع نظيريهما المصريين نبيل فهمي وعبد الفتاح السيسي التي جرت في القاهرة الاسبوع الماضي
حيث اكدت الخارجية الروسية إن الجانبين ثمنا نتائج المباحثات مشيرة إلى الحرص المتبادل على توسيع التعاون الثنائي بين موسكو والقاهرة.
خلاصة القول ان التعاون المصري الروسي لابد ان يكون مقدمة لتعاون اوسع مع دول اخرى في المنظومة الدولية بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي ويبقى المعيار الحاكم في النهاية هو مصلحة مصر .