نشرت الصحف أن الحكومة البريطانية تبارك مشاركة الإسلاميين البريطانيين فى سوريا ضد نظام بشار الأسد، بينما استنكرت إحدى السيدات من الإسلاميين البريطانيين فى حادث نيروبى فى سبتمبر الماضى ومقتل عدد من الخاطفين والمخطوفين وترويع السلطات فى نيروبى. وفى مشهد ثالث سبق للمحاكم البريطانية أن حكمت بالسجن المؤبد على الإسلاميين البريطانيين الذين حاربوا الجيش البريطانى فى العراق مع المقاومة العراقية. فى الحالة الكينية كان واضحاً أن العملية إرهابية بكل المقاييس ومن ثم فإن تبرؤ الحكومة البريطانية من السيدة الانجليزية التى اشتركت فى العملية كان منسجما مع القانونين الدولى والداخلى، ومع السياسة العامة للمجتمع الدولى. أما فى الحالة العراقية فإن الجيش البريطانى قد اشترك مع الجيش الأمريكى فى غزو العراق وتدميره، وبذلك ارتكبت بريطانيا والولايات المتحدة جريمة العدوان على العراق، واستندت الدولتان فى نفس الوقت على معلومات صنعت خصيصاً فى أجهزة المخابرات لإقناع العالم بخطر العراق، وصدام حسين، وأن عدم تمكين واشنطن من استصدار قرار من مجلس الأمن لا يجوز أن يكون حائلاً دون أن تهب لدفع الخطر، مما يعنى أن واشنطن قد قدمت تبريرات مزورة لكى يقبل المجتمع الدولى بجرائمها فى العراق، ولكى ينسى أن هذه الحملة مدبرة وفقاً للوثائق الأمريكية منذ أحداث سبتمبر المدبرة هى الأخرى. بل كادت الولايات المتحدة تشعر العالم بفضلها وتضحياتها فى سبيل دفع الإرهاب عن المجتمع الدولى. صحيح أن أحداث سبتمبر وغزو العراق يفصل بينهما 3 أعوام إلا أن مخطط غزو العراق كان قائماً عام 2001 مع مخطط غزو أفغانستان، ولكن رأت واشنطن لأسباب لايزال معظمها مجهول المبادرة بغزو أفغانستان حتى تجهز وتمهد لغزو العراق.
عند هذا الحد، شعر الإسلاميون البريطانيون بأنهم فى خيار بين الدين والدنيا، بين الحق والباطل، بقطع النظر عن التقاطعات القانونية والسياسية فى عالم اليوم. فالإسلامى البريطانى يتمتع بالجنسية البريطانية ويترتب عليها الولاء للجيش البريطانى حتى لو كان يقوم بحرب عدوانية، أى أن ينحاز إلى متطلبات الجنسية على معطيات الحق. وهذه نقطة واجهت عددا كبيرا من المجندين والعسكريين البريطانيين والأمريكيين فى مختلف الحروب، مما أضطر بعضهم إلى الهروب من ساحات القتال واللجوء إلى دول أخرى. وقد شهدت المحاكم الكندية الكثير من حالات طلب اللجوء من هؤلاء «الفارين من الخدمة» Deserters وقد رفضت المحاكم الكندية طلبات اللجوء بسبب تدخل الحكومة الأمريكية، وهذا سياق آخر مختلف فى حديثنا.
المهم فى هذا المشهد، هو أن المواطن البريطانى الإسلامى والمسلم أيضاً قد انحاز إلى المقاومة العراقية التى تقف فى معسكر الدفاع عن الوطن المعتدى عليه كما أنها تقف فى المعسكر الإسلامى الذى ينتمى إليه، أى أن هناك انسجاماً بين الأساس القانونى والأساس العقائدى، وهذه نقطة بالغة الخطر لم يتمكن الإسلاميون من حلها حتى الآن، فانحازوا إلى الجانب الأيديولوجى وتجاهلوا أمرين خطيرين: الأمر الأول، المعطيات القانونية والسياسية التى تحكم العلاقات الدولية. والأمر الثانى، المصالح العليا للعالم الإسلامى التى تستعلى على تفاصيل الساحات المختلفة. المواطن البريطانى الذى ذهب يقاتل لإعلاء الآخرة على الدنيا، والحق على الباطل، والإسلام على غيره تصادم مع حقائق أخرى، وهى أنه يقاتل الجيش البريطانى أى يرتكب جريمة الخيانة العظمى، لأن قرار إرسال الجيش من عدمه تنفرد به السلطة السياسية فى بريطانيا. فانتماء الإسلامى البريطانى إلى أمتين دخلتا فى صراع فى لحظة معينة هما الأمة البريطانية والأمة الإسلامية جعلت من الصعب عليه أن يفصل هذه الخطوط المتشابكة، فقررت المحاكم البريطانية السجن مؤبد بسبب الخيانة العظمى. وأذكر أننى أثرت هذه الواقعة وغيرها فى كوكبة من علماء المسلمين فى رابطة العالم الإسلامى حول الأمة الإسلامية فى الواقع الدولى المعاصر، وناشدت علماء الأمة والمخلصين من علمائها فى فروع مختلفة أن يوجدوا حلاً مرضياً للصراع بين الأمة الإسلامية وهى أمة قرآنية، وبين الأمة فى الواقع الدولى المعاصر، وهى أمة قانونية واجتماعية وسياسية. يتصل بهذه النقطة مباشرة، أن الدول العربية التى شجعت مواطنيها لمحاربة الاتحاد السوفيتى «الملحد» فى أفغانستان، هى نفسها التى زجت بهم فى السجون وأطلقت عليهم «العائدون من أفغانستان»، فأصبح لدينا فريق «العائدون» من أماكن متعددة، من سوريا، من ليبيا، من لبنان، من فلسطين، من أفغانستان، من العراق وغيرها. هؤلاء العائدون هم الآن فى السجون العربية. كما نذكر فى هذا المقام أن الخطباء فى المملكة العربية السعودية كانوا قد انقسموا حول هذه المسالة، فشجع بعضهم الشباب على مقاومة الاحتلال الأمريكى للعراق، بينما اعتبر غيرهم أنها فتنة لا يجوز الدخول فيها. كما أن الاحتلال الأمريكى كان يستهدف الإطاحة بديكتاتور كان يخطط للإضرار بالمملكة مما جعل الدفاع عن العراق فى هذه الحالة عملاً يخرج عن سياق الوطنية بالمفهوم السعودى، وهذا هو أساس الإرهاب الحالى فى المملكة العربية السعودية، ولذلك تقوم الدولة إلى جانب المعالجة الأمنية بمعالجة إنسانية للحفاظ على شبابها من تشابك الخيوط والأوراق.
فى المشهد السورى، تؤيد بريطانيا تأييداً موصوفاً المعارضة السورية المسلحة، ولكنها تنتقد بشدة الجرائم التى ارتكبت ضد الشعب السورى من المعارضة والنظام مثلما تقف بشدة مع التسوية السياسية للمشكلة.
فى إطار الموقف الرسمى البريطانى أصبح مشـــاركة الإســــلاميين البريطانيين مع المقاومة أمراً لا اعتراض عليه، ولكنه يثير مخاوف الحكومة البريطانية من منظور آخر، وهو أن قوة التيار الإسلامى خصوصاً الجماعات التكفيرية فيه سوف يصيب المجتمع البريطانى والدولة مثلما حدث فى الأعمال الإرهابية التى وقعت فى بريطانيا منذ عدة سنوات. مع ذلك يبدو أن هناك تناقضاً بين الموقف التكتيكى البريطانى وبين المصلحة الاستراتيجية فى مجمل النظر إلى التيار الإسلامى. يترتب على ذلك أن الحكومة البريطانية لا ترى سبباً لإدانة الإسلاميين البريطانيين أمام المحاكم البريطانية مثلما حدث فى العراق. ومعنى ذلك أن موقف بريطانيا السياسى هو الذى يحدد فى كل مشهد على حدة الموقف من الإسلاميين البريطانيين، وليس مدى تطابق هذا الموقف مع التقاطعات القانونية الدولية والوطنية.