لا أجد غرابة ولا دهشة فيما وصلنا إليه نحن المصريون من تدنى وانحطاط غمر كل الأوساط والمجالات التى نحياها
فقط ما يثير حفيظتى ويجعلنى أتسأل هو كيف ننتظر من الله نجاةً أو نستطلع رقياً، لم نسعى أبدا إليهِ؟! وكيف نطلب من الله استجابةً لدعائنا الذى لا ينقطع، ونحن لا نأكل إلا الحرام؟!
نعم نأكل حرامًا، لأننا ببساطة لدينا من العاملين فى القطاع العام ما يقارب 7 ملايين مصرى أكاد أجزم بأن أغلبهم يأكلون الحرام، فالموظف الحكومى يشعر بأن تواجده بالعمل مضيعة للوقت، وحيث إن الرقابة منعدمة والضمير غائب، فيحل محلهما “الغياب والتزويغ”، وبالتالى يصبح الموظف الحكومى يأكل من حرام لأنه لا يحلل مرتبه – إلا من رحم ربى – وفى هذا الصدد أتذكر موقفًا لأحد المسئولين، وهو يتباهى ويفتخر أمام موظفيه بأنه كان لا يذهب للعمل إلا فى يوم “القبض”، أما الآن وبعد أن صار مديراً أصبح لزاماً عليه أن يأتى للعمل كل يوم، يقولها وهو ينتابه حالة من الندم على قبوله للترقية التى ألزمته بالانضباط شيئاً ما.
أما عن العاملين بالقطاع الخاص فربما تمنعهم الرقابة من الغياب والتزويغ، ولكن لا مانع من تضييع الوقت بشكل من الأشكال، وأيضاً المساهمة فى التخريب إذا رفض صاحب العمل الزيادة المطلوبة أو تأخر فيها.
أضف إلى هؤلاء، كل أصحاب المهن، ممن تسول لهم أنفسهم قبول الحرام فى شكل المبالغة فى أخذ الحق أو عدم إتقان العمل أو ما شابه ذلك.
ناهيكم عن المرتشين وما أكثرهم، لدرجة أنه أصبح المطالب بالرشوة وكأنما يطلب حقاً مشروعاً، فلا خجل ولا حياء ولا دين ولا أخلاق.
فالقضية إذن ليست قضية فقر أو احتياج، ولكن القضية قضية ضمائر غابت وقيم انعدمت، وقلوب تناست أن هناك حساباً وعقاباً، وطمع ملأ النفوس ليحل محل القناعة والرضا.
أيها المصريون أذكر نفسى وإياكم: اتقوا الله، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، لا تأكلوا إلا من حلال، وتذكروا قول الشاعر: ألا كل ما خلى الله باطلُ.. وكل نعيم لا محالة زائلُ.
ولا يسعنى فى النهاية إلا أن أذكركم بحديث ابن عباس حينما قال: تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالاً طيبا”، فقام سعد بن أبى وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلنى مستجاب الدعوة، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: “يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذى نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه ما يتقبل منه عملاً أربعين يوماً وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به.”